أعادت حادثة المشاجرة الأخيرة في الجامعة الأردنية ملف العنف الجامعي إلى واجهة النقاش مجدداً، حيث تباينت ردود الأفعال بين استنكار شديد، ودعوات إلى مراجعة آليات التوعية والإرشاد داخل الحرم الجامعي.
وفي هذا السياق، قدمت الدكتورة أمل الكردي، اختصاصية العلاج النفسي السلوكي، قراءة عميقة لأسباب هذه الظاهرة، مؤكدة أن المشكلة أكبر من مجرد سلوك جامعي عرضي، وأن جذورها تمتد إلى مراحل سابقة من حياة الطالب.
وقالت الكردي، خلال مقابلة أجرتها مع برنامج "أخبار السابعة" على قناة "رؤيا"، إن العنف مرفوض بكافة أشكاله، سواء كان لفظياً أو معنوياً، أو حتى تنمراً إلكترونياً، مشددة على أن وقوع هذه السلوكيات داخل "الحرم الجامعي" يجعل المشكلة أكثر خطورة وتعقيداً.
وأضافت الكردي: "هل هذا الطالب فاهم أو مستوعب احترامه للبيئة اللي هو موجود فيها؟ العنف داخل الجامعة لا يمكن اعتباره مجرد نزوة، بل مؤشر على خلل أعمق".
المشكلة لا تبدأ من الجامعة
وأكدت الكردي أن السلوك العنيف داخل الجامعة ليس وليد اللحظة، بل هو امتداد لمراحل سابقة من حياة الطالب.
وقالت: "الطالب الذي يمارس العنف في الجامعة غالباً كان يمارس التنمر أو السلوك العدواني في المدرسة، أو حتى عبر وسائل التواصل الاجتماعي. المشكلة لم تبدأ هنا".
وأشارت إلى أن جذور المشكلة الأساسية تعود إلى الطفولة والأسرة، حيث يلعب الوالدان دور "النماذج الحية" للسلوك.
وأضافت: "لا يُعقل أن أنصح طفلي بضبط النفس بينما أتصرف بعنف أو أستخدم العقاب الجسدي عند الغضب. التربية تبدأ بالنمذجة، وما يُشاهد في البيت يترسخ في شخصية الطفل".
غياب "الذكاء العاطفي" ونتائج الكبت النفسي
ربطت الكردي بين هذه السلوكيات وغياب مهارات الذكاء العاطفي، مؤكدة أنها مهارة مكتسبة يجب أن تُدرّس في المدارس، لتعليم الأطفال كيفية التعبير عن مشاعرهم بطريقة سليمة، سواء كانت مشاعر غضب، حزن، فرح، أو توتر.
وحذرت من الكبت والضغط النفسي، سواء كان دراسياً أو اجتماعياً، مشيرة إلى أن هذا قد يؤدي في النهاية إلى الانفجار العاطفي والسلوك العدواني.
وشددت على أهمية تعليم الأبناء طرق التفريغ الصحي لمشاعرهم قبل بلوغ مرحلة العنف، من خلال الحوار المفتوح مع الوالدين، وطرح أسئلة عن مشاعرهم الداخلية وليس فقط عن أحداث يومهم.
دور الجامعات.. بين الإرشاد والعقاب
أما بالنسبة لدور المؤسسات التعليمية، فقد أكدت الكردي على ضرورة تفعيل الإرشاد الوقائي، عبر محاضرات ودورات توعوية منتظمة، تهدف إلى تقوية مهارات التواصل وحل النزاعات بين الطلاب.
وأضافت أن إظهار العقوبات بشكل واضح للطلاب يلعب دوراً رادعاً فعالاً: "الإعلان المسبق عن الإجراءات التي ستتخذ بحق المخالفين يجعل الطالب يفكر مرتين قبل اللجوء للعنف".
العلاج النفسي متاح وموثوق
وختمت الكردي حديثها بالإشارة إلى أنه في حال تحول السلوك إلى مشكلة مرضية، فإن تدخل المختصين النفسيين ضروري وفعال.
وطمأنت أولياء الأمور والطلاب بأن خدمات العلاج النفسي متوفرة ومؤمّنة عبر مظلات التأمين الصحي الحكومي والمدني والعسكري، بالإضافة إلى بعض شركات التأمين الخاصة، ما يجعل اللجوء إلى العلاج النفسي أمراً ممكناً ومتاحاً بشكل واسع.
وقالت: "المهم أن يعرف الطالب وأهله أن طلب المساعدة ليس عيباً، بل خطوة مهمة نحو تصحيح السلوك وبناء شخصية قادرة على التعامل مع التحديات بطريقة صحية".
0 تعليق