كتب عيسى سعد الله:
لم يجد الكثير من النازحين الذين حطت بهم رحلة النزوح من مدينة غزة في مدينة دير البلح، وسط القطاع، أمامهم إلا النبش في صناديق وأكوام القمامة التي انتشرت مؤخراً، بحثاً عن الطعام أو أي شيء آخر يمكن الاستفادة منه في الحياة اليومية التي قست عليهم.
وانتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير في مدينة دير البلح على وقع استمرار توافد عشرات آلاف النازحين، غالبيتهم من الطبقة المسحوقة غير القادرة على تدبر الحد الأدنى من احتياجات أسرها من المأكل والمشرب، كما هو الحال مع المواطن زكي خميس، الذي تزاحم مع مجموعة من المواطنين المقهورين صباحاً لنبش صناديق قمامة وسط المدينة أملاً بالعثور على طعام أو أي مقتنيات أخرى يمكن الاستفادة منها.
وقال خميس في الثلاثينيات من عمره: الأولوية بالنسبة لي هي البحث عن أي نوع من الطعام، ثم عن أشياء أخرى يمكنني الاستفادة منها أو بيعها.
وأشار خميس، الذي نزح من مدينة غزة مطلع الأسبوع الجاري، إلى أنه نزح سيراً على الأقدام لعدم قدرته على دفع فاتورة المواصلات، كما أنه لا يملك ثمن وجبة فطور واحدة يقدمها لعائلته.
ولفت إلى أنه في ظل عدم توفير المؤسسات والقائمين على المخيم الذي ينزح فيه الحد الأدنى من احتياجات أسرته، وعدم توفر فرص عمل، يضطر إلى النبش في القمامة أسوة بعشرات النازحين أملاً بالحصول على أي شيء يمكن الاستفادة منه.
فيما وصف عيد مسعد رحلة البحث عن الطعام في أكوام القمامة بالقاسية والمهينة لاضطراره إلى التعامل مع أشياء مقززة وغير صحية لإطعامها لأفراد أسرته في أحيان كثيرة.
كما اشتكى مسعد من صعوبة الحصول على أي شيء في ظل ازدحام صناديق القمامة بأعداد كبيرة من المحتاجين الذين لا يملكون قوت يومهم.
وأوضح أنه لم يتوقع أن يصل إلى هذه المرحلة عند نزوحه، خاصة مع إعلان قوات الاحتلال عن توفير كل أصناف المساعدات والإغاثات العاجلة لهم، مبيناً أن مدينة دير البلح تخلو من أي شيء يمكن أن يقدم للنازحين بما في ذلك مياه الشرب "التي يتوجب عليك أن تدخل في شجارات عنيفة مع مواطنين آخرين للحصول على بضع لترات منها".
وأشار مسعد إلى أنه بات يفكر بالعودة إلى مدينة غزة خلال الأيام القادمة إذا لم تتحسن ظروف أسرته التي باتت تعاني من الكثير من الأمراض.
وأصبح العثور على فرصة عمل في مدن النزوح الجديدة يشكّل تحدياً كبيراً للنازحين بعد أن نفدت منهم أموالهم، ولم يعودوا يمتلكون أي مبلغ من النقود.
ويعرض النازحون خدماتهم على أصحاب الأعمال والحرف في المدينة بأسعار زهيدة في سبيل توفير الحد الأدنى من الطعام لأسرهم، خاصة للأطفال، كما هو الحال مع المواطن نزير رمضان الذي فشل لليوم الرابع على التوالي في العثور على فرصة عمل تمكنه من توفير الطعام لأسرته المكونة من خمسة أفراد.
ورغم تعدد الحرف والمهن التي يجيدها رمضان إلا أنه فشل في الحصول على أي منها رغم عرضه العمل بعشرات الشواكل فقط.
وقال رمضان في الأربعينيات من عمره إنه يقبل العمل في الأشغال الشاقة ولساعات طويلة في سبيل الحصول على المال وتخفيف وطأة الحياة عن كاهل أسرته، التي تعيش في خيمة غير ملائمة.
ويعتمد رمضان على ما يقدمه جيرانه من طعام لإطعام أفراد أسرته، مطالباً القائمين على المؤسسات بالبحث عن المحتاجين من النازحين ليس في مخيمات النازحين المعروفة، بل في كل مكان وكل زاوية في مناطق وسط القطاع، التي تحتضن مئات آلاف النازحين الذين يعيشون ظروفاً غاية في القسوة.
0 تعليق