الذهب بين مطرقة التصحيح المالي وسندان الثورة الصناعية الصينية - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
كل تلميح بأن الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة أطول هو بمثابة جرعة منشطة للدولار الأمريكي

في حلبة الأسواق المالية، هناك لحظات يتوقف فيها كل شيء، وتصمت كل الأصول في انتظار كلمة واحدة من شخص واحد.

في الأمس، كان ذلك الشخص هو جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وفي أحدث شهاداته، أرسل رسالة جليدية عبر الأسواق، كان صداها الأقوى في سوق الذهب.

لم تكن كلماته انفجارية، بل كانت أكثر خطورة: كانت هادئة، محسوبة، وحاسمة. 

أكد باول أن المعركة ضد التضخم، رغم التقدم المحرز، لم تنته بعد. 

والأهم من ذلك، أنه وضع حدا لتفاؤل الأسواق المفرط بخفض قريب لأسعار الفائدة.


"نحن بحاجة إلى مزيد من الثقة بأن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو 2%.. وخفض أسعار الفائدة في وقت مبكر جدا قد يؤدي إلى عكس التقدم الذي أحرزناه".

هذه الجملة، التي تبدو حذرة، كانت بمثابة صفعة قوية للذهب. 

ففي الأسابيع الأخيرة، كان سعر الذهب يتغذى على أمل واحد: أن الفيدرالي سيرضخ قريبا ويبدأ دورة التيسير النقدي.

خطاب باول لم يغلق الباب تماما، لكنه دفعه بقوة وأخبر الأسواق أن "الوقت لم يحن بعد".

لماذا يرتجف الذهب من حذر باول؟ 

لفهم هذه الدراما، يجب أن نفهم لماذا كانت كلمات باول بمثابة ريح معاكسة للمعدن الأصفر.

أولا، تأجيل "الحفلة"

كان المستثمرون يتوقعون أن تبدأ حفلة خفض الفائدة قريبا. الذهب يعشق الفائدة المنخفضة لأنها تقلل من جاذبية السندات والدولار، وبالتالي تقل "تكلفة الفرصة البديلة" للاحتفاظ بمعدن لا يدر أي عائد. 

عندما يقول باول "ليس بهذه السرعة"، فإنه يؤجل هذه الحفلة إلى أجل غير مسمى، مما يقتل الزخم الصعودي للذهب.

ثانيا، قوة الدولار المستمرة:

كل تلميح بأن الفائدة ستبقى مرتفعة لفترة أطول هو بمثابة جرعة منشطة للدولار الأمريكي.

وبما أن الذهب مسعر بالدولار، فإن قوة العملة الأمريكية تجعل المعدن الثمين أكثر تكلفة للمشترين حول العالم، مما يضعف الطلب عليه.

خطاب باول الحذر ساعد الدولار على استعادة بعض قوته، وهذا دائما ما يكون على حساب الذهب.

ثالثا، التركيز على البيانات، لا على الآمال:

رسالة باول كانت واضحة:

قراراتنا المستقبلية ستعتمد على البيانات الاقتصادية القادمة، وليس على آمال وتوقعات السوق. هذا يعني أن كل تقرير تضخم وكل تقرير وظائف قادم سيحمل في طياته تقلبا عنيفا. 

لقد أدخل الأسواق في حالة من "عدم اليقين المشروط"، والذهب، على الرغم من كونه ملاذا آمنا، إلا أنه يفضل اليقين بشأن اتجاه السياسة النقدية.

هل انتهت قصة الذهب الصاعدة؟ 

قد يبدو أن باول قد سحب البساط من تحت أقدام الذهب. 

ولكن هل هذا يعني أن الاتجاه الصاعد قد انتهى؟ المستثمرون المحترفون ينظرون إلى ما هو أبعد من ردة الفعل الأولية.

ففي ثنايا خطاب باول، هناك ما يدعم حجة الذهب على المدى الطويل.

أشار باول إلى أن التشديد النقدي يؤثر على الاقتصاد، وأن هناك مخاطر على النمو. هذا الاعتراف الضمني بأن الاقتصاد لا يستطيع تحمل الفائدة المرتفعة إلى الأبد هو إشارة إلى أن الخفض قادم لا محالة، حتى لو تأخر.

يضاف إلى ذلك، عبء الديون الحكومية الهائلة. يدرك الفيدرالي جيدا أن كل يوم تبقى فيه الفائدة مرتفعة، تزداد تكلفة خدمة الدين الأمريكي بشكل هائل.

 هذا الوضع غير مستدام على المدى الطويل، وسيجبر الفيدرالي في النهاية على خفض الفائدة لإنقاذ الميزانية الحكومية، بغض النظر عن التضخم.

وأخيرا، يبقى الذهب كتأمين. في جوهر الأمر، لم يتغير شيء. الذهب ليس مجرد رهان على خفض الفائدة، بل هو تأمين ضد عدم كفاءة السياسات النقدية، وضد الأزمات الجيوسياسية، وضد فقدان الثقة في العملات الورقية.

 كل هذه المخاطر لا تزال قائمة بل وتتزايد.

في الأمس، تحدث الفيدرالي بلهجة حذرة، فتراجع الذهب.

لقد فاز باول بجولة تكتيكية عبر إدارة توقعات السوق. لكن الحرب الاستراتيجية لم تنته. قد يكون الذهب قد خسر زخمه قصير المدى، لكن الأسباب الجوهرية التي تدفع المستثمرين للاحتماء به لم تتبخر. 

إنها مجرد مسألة وقت قبل أن تجبر الحقائق الاقتصادية الصعبة (الديون، تباطؤ النمو) يد الفيدرالي على التحرك. والمستثمر الصبور الذي يفهم هذه اللعبة الطويلة هو من سيضحك أخيرا.

0 تعليق