مردوخ وترامب.. "صراع عملاقين" في الإعلام وخارجه - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما بدأ قطب الإعلام الأميركي روبرت مردوخ في وضع اللبنات الأساسية لخلافته، برزت أسئلة كثيرة عن مستقبل إمبراطوريته الإعلامية وتوجهها السياسي المحافظ خاصة في ضوء العلاقة الطويلة والمتقلبة التي ظلت تربط مالك المؤسسة مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب.

وفي أحدث تقلبات تلك العلاقة، لم يتردد ترامب (79 عاما) في يوليو/تموز الماضي في رفع دعوى قضائية ضد مردوخ (94 عاما) بسبب تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال المملوكة لمردوخ عن رسالة مثيرة بعثها ترامب عام 2003 لجيفري إبستين، المتهم بارتكاب جرائم جنسية والذي مات في السجن عام 2019.

اقرأ أيضا

list of 1 item end of list

ونفى ترامب صحة تلك الرسالة التي تحتوي على رسم لامرأة عارية وتشير لسر مشترك مع إبستين، وطالب بتعويض قدره 10 مليارات دولار، كما شنّ هجوما حادا على الصحيفة التي تُعتبر "درة تاج" إمبراطورية مردوخ، ووصفها بـ"خرقة عديمة الفائدة" و"صحيفة من الدرجة الثالثة".

وقبل اللجوء إلى القضاء سعى ترامب للتواصل مباشرة مع مردوخ لاحتواء القضية، لكن الأخير فضّل ترك الأمور تأخذ مجراها الطبيعي، بينما واصلت الصحيفة تغطية القصة ذاتها في إشارة إلى استقلاليتها التحريرية.

وبعد أن رفع ترامب دعوى قضائية نُقل عن مردوخ أنه علّق على تصريحات ترامب بشأن تلك القضية بالقول "عمري 94 عاما ولن أخاف"، وهو تصريح يعكس طابعه العنيد وإيمانه العميق بحرية الصحافة ورغبته بعدم التدخل بشكل مباشر في عمل وول ستريت جورنال التي أثبتت قوتها وجرأتها في قضايا سابقة تتعلق بالقذف والتشهير.

وليست هذه هي المرة الأولى التي يلجأ فيها ترامب للقضاء ضد إحدى الأذرع الإعلامية التابعة لمردوخ، إذ حصل ذلك في تسعينيات القرن الماضي ضد صحيفة نيويورك بوست على خلفية نشر خبر عن معاملة عقارية لترامب.

President Donald Trump, from left, speaks while signing an executive order as Commerce Secretary nominee Howard Lutnick, Rupert Murdoch and Larry Ellison, chairman and chief technology officer of Oracle Corporation, listen in the Oval Office of the White House, Monday, Feb. 3, 2025, in Washington. (AP Photo/Evan Vucci)
ترامب (يسار) أثناء توقيعه أمرا تنفيذيا بحضور مردوخ (وسط) في المكتب البيضاوي في 3 فبراير/شباط 2025 (أسوشيتد برس)

ملامح الصراع في آخر  10 أعوام

لكن ذلك لا يعني أن هناك صراعا مستداما بين الرجلين اللذين تجمعهما علاقة طويلة وصفتها صحيفة نيويورك تايمز في مناسبتين مختلفتين (عامي 2015 و2025) بأنها صراع أو مواجهة بين عملاقين، لكنها علاقة تتقاطع في أكثر من قضية وسياق بناء على مصالح ورؤى أيديولوجية مشتركة.

إعلان

في المناسبة الأولى كان السياق هو دخول ترامب حلبة السياسة حيث لم يُبد مردوخ أي حماسة لذلك المسعى بل عارضه بطريقة غير مباشرة وشكك في حظوظه بالفوز. أمّا المناسبة الثانية فكانت على خلفية الدعوى القضائية التي رفعها ترامب على وول ستريت جورنال قبل أشهر قليلة، مما يثير أسئلة عن حاضر ومستقبل العلاقة بين ترامب وإمبراطورية مردوخ.

ففي غمرة الحملة الانتخابية لرئاسة البيت الأبيض عام 2016 أدلى مردوخ بتصريحات عبّر فيها عن عدم ارتياحه لأسلوب ترامب "المُتبجّح والمُتباهِي"، ودأب على وصفه بأنه "مُزيّف"، كما ظل يعارضه بشأن موضوع سياسي جوهري هو الهجرة.

ولطالما سعى مردوخ -وهو أسترالي الأصل- إلى إصلاح شامل لنظام الهجرة في أميركا بما في ذلك توفير سبيل للحصول على الجنسية الأميركية أمام ملايين المهاجرين غير النظاميين.

وعندما فاز ترامب بالرئاسة عام 2016 غيّر مردوخ موقفه واستفاد من عدّة قرارات تنظيمية إبان فترة ولايته الأولى، بطريقة تعيد إلى الأذهان ما حصل له في موطنه أستراليا والمملكة المتحدة عندما دعم سياسيين يخدمون مصالحه، ومنهم ليبراليون مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

وفي المناسبة الثانية التي عادت فيها نيويورك تايمز إلى الصراع بين ترامب ومردوخ، كان السياق هو مقاضاة ساكن البيت الأبيض لوول ستريت جورنال التي طالما انتقدت سياساته الاقتصادية في عهدتيه الأولى والثانية ووصفت قراراته الأخيرة بشأن الرسوم الجمركية بأنها "غبية".

وأثارت نيويورك تايمز السؤال عن مستقبل العلاقة بين ترامب وإمبراطورية مردوخ ذات التوجه المحافظ وخاصة قناة فوكس نيوز التي يُعتبر جمهورها من داعمي ترامب الذي لا يُخفي إعجابه بتلك المحطة إلى درجة أنه استقدم عددا من وجوهها المشهورة للعمل في إدارته الحالية.

علاقة تحكمها المصالح

وفي هذا التوجه المحافظ يكمن سر العلاقة القوية بين ترامب ومردوخ الذي كان من المدعوين البارزين في حفل تنصيب الرئيس ترامب في عهدته الحالية إلى جانب عمالقة التكنولوجيا والمال والأعمال.

وأقرّ ترامب في أكثر من مناسبة عن ارتياحه للدعم الذي يحظى به في قناة فوكس نيوز، وتجلّى ذلك عام 2020 عندما خسر الانتخابات وظل متمسكا بإنكار النتائج الرسمية وهو موقف وجد صدى كبيرا في القناة.

وبسبب دعمها لنظرية ترامب عن "سرقة الانتخابات"، لا تزال فوكس نيوز تواجه متاعب قضائية انتهت بعض فصولها بتسوية مالية قدرها 787.5 مليون دولار والاستغناء عن خدمات نجمها تاكر كارلسون الذي أصبح لاحقا من أبرز المروّجين لسياسات ترامب وشارك بقوة في حملته الانتخابية لعام 2024.

" frameborder="0">

وللمفارقة فإن مردوخ شخصيا لم يكن من مؤيدي ترامب في إنكار نتائج الاقتراع الرئاسي عام 2020، لكنه أقر لاحقا بأنه لم يمنع نجوما في فوكس نيوز من تأييد "أكاذيب ترامب"، ووجّه في الآن ذاته باعتبار قصة ترامب السياسية منتهية، ولم يخف لاحقا حماسته لدعم ترشح حاكم ولاية فلوريدا الجمهوري الشاب رون ديسانتيس في رئاسيات 2024.

وعندما لم يُفلح ذلك أفادت تقارير صحفية أميركية أن مردوخ ضغط على ترامب لاختيار أي شخص آخر غير "جيه دي فانس" ليكون نائبا له وهو ما لم يتحقق أيضا.

إعلان

وتعكس تلك المواقف والتحركات مدى قرب مردوخ من ترامب رغم عدم الارتياح لأسلوبه وشخصه، وهو ما يعني أن العلاقات بينهما تسمو على الجوانب الشخصية وتتغذى على طبق الأيديولوجيا والمصالح السياسية والاقتصادية.

دلالات خلافة مردوخ

وعلى خلفية تلك العلاقة يُثار الحديث عن مستقبل إمبراطورية مردوخ ومدى وفائها للتوجه المحافظ، وهو سؤال ظل على مدى السنين القليلة الماضية في صلب التخطيط والتمهيد لمرحلة ما بعد الأب المؤسس، وخاصة في ظل الخلافات الأيديولوجية في صفوف الورثة المحتملين.

وكانت الترتيبات الأولية تقضي بأن يكون لورثة مردوخ الرئيسيين (نجله الأكبر لاكلان وابنه جيمس وابنتيه إليزابيث وبرودنس) نفس الوزن في التصويت على قرارات وتوجهات المؤسسة الإعلامية.

لكن مردوخ الذي تزوج خمس مرات بدأ يفكر في ترتيب مختلف بعد اقتناعه بامتلاك جيمس (52 عاما) توجهات سياسية ليبرالية نسبيا، وسوف يتعاون مع شقيقتيه إليزابيث وبرودنس بعد وفاته في مواجهة لاكلان (54 عاما) المحافظ المتشدد، ويشرع في تخفيف التوجه اليميني للإمبراطورية أو حتى إنهائه.

LONDON, ENGLAND - MARCH 05: Rupert Murdoch arrives at St Bride's Church in London accompanied by his sons James (right) and Lachlan (left) for a ceremony of celebration a day after the media mogul officially married Jerry Hall. on March 5, 2016 in London, England. (Photo by John Phillips/Getty Images)
مردوخ يتوسط ابنيه جيمس (يمين) ولاكلان الذي ورث الإمبراطورية الإعلامية عن والده بعد تسوية عائلية (غيتي)

ولهذا عمل مردوخ جاهدا على تغيير شروط وصية الخلافة لترسيخ سيطرة لاكلان على المؤسسة مقابل ترضية مالية لباقي الورثة بالحصول على أكثر من مليار دولار لكل منهم ليغادروا الشركة، وهي تسوية وصفها بعض المهتمين بالشأن الإعلامي الأميركي بأنها "نهاية موسم درامية".

وحسب صحيفة نيويوركر فإن إلحاح مردوخ في اختيار لاكلان نابع من اعتقاده بأن وسائل الإعلام التي يملكها هي "الأصوات المحافظة الوحيدة ضد الإعلام الليبرالي الموحد"، وأن "الحفاظ على هذا التوجه أمرٌ حيوي لمستقبل العالم الغربي".

ويتسق ذلك الإلحاح أيضا وفق الصحيفة ذاتها مع مدى تحوّل العالم الغربي نحو اليمين، ومدى الدور الذي يُمكن لمردوخ أن يلعبه في ذلك التحول من خلال تغليب المنظور السياسي على الاعتبارات المالية في ترتيب خلافته.

وإذا كان مردوخ يسعي لترسيخ إمبراطوريته الإعلامية على النهج المحافظ، فإن مساره سيتحدد -وفق نيويورك تايمز- في ضوء مستقبل الحياة السياسية في أميركا ومدى استمرار ما سمته "الترامبية وتبعاتها الشعبية حول العالم".

وهنا تتساءل الصحيفة عما إذا كان مردوخ الذي قدّم نفسه منذ فترة طويلة باعتباره من المحافظين وفق الطراز القديم، وأن أذرعه الإعلامية نجحت في الترويج لهذه المدرسة الفكرية في ثلاث قارات؛ قد أصبح رهينة للترامبية وأنه يخطط للموت في أحضانها.

وعلاوة على الجانب السياسي فإن مستقبل إمبراطورية مردوخ الإعلامية جدير بأن يُطرح أيضا من زاوية نظر مهنية في وقت تتجه صناعة الميديا برمتها تدريجيا نحو أشكال جديدة بعيدا عن وسائل الإعلام التقليدية.

وهذا السؤال ربما يشير إلى أن مجموعة مردوخ الإعلامية قد تفقد أهميتها في المستقبل مهما كان توجهها السياسي إذا لم تتكيف مع توجهات صناعة الإعلام المقبلة.

لكن المعطيات الحالية تؤكد أن إمبراطورية مردوخ لا تزال في المقدمة من حيث الإشعاع والانتشار والتأثير، وأنها بدأت فعلا الانخراط أكثر فأكثر في الأشكال الصحفية الجديدة من بودكاست وغيره.

المصدر: الجزيرة + الصحافة الأميركية + الصحافة البريطانية

0 تعليق