عاجل

"بُعثنا من جديد".. أسرى غزة يتنفّسون الحرية على أنقاض الحزن والجراح والموت - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

غزة - شينخوا: بعد يوم واحد من الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحركة حماس، يجد عشرات الفلسطينيين أنفسهم في غزة وسط صدمة تتشابك فيها فرحة الحرية مع مرارة الفقد، بينما يحاولون التكيّف مع واقع جديد مليء بالدمار والذكريات الثقيلة.
في شوارع خان يونس ومدينة غزة، علت الزغاريد ودموع الفرح، أول من أمس، مع وصول الحافلات التي تقل الأسرى الفلسطينيين المحررين. مشهد مهيب رسمته المئات من العائلات أمام مستشفى ناصر الطبي، في انتظار أبنائها الذين أفرجت عنهم إسرائيل ضمن صفقة التبادل.
ومع ظهور أول حافلة، انطلقت التكبيرات وأصوات أبواق السيارات، بينما كانت الدموع تختلط بالضحكات. من نافذة الحافلة، بحث الأسير المحرر محمد سعيد زقوت بعينيه المتعبة طويلا عن والدته بين الجموع، وعند لحظة اللقاء، انهمرت دموعه على خديه، وقد بدا وجه والدته أكبر بكثير منذ آخر مرة رآها فيها قبل عام ونصف العام.
زقوت (33 عاما)، واحد من آلاف الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إسرائيل خلال حملتها العسكرية على غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، نزل من الحافلة وهو يرتدي الزي الرمادي المعتاد للأسرى، قبل أن يلتقط يد والدته ويقبل وجهها، بينما غلبه الصمت والعجز عن الكلام.
وقال زقوت، "لم أصدق نفسي عندما وجدتها على قيد الحياة، فقد كان المحقق في السجون الإسرائيلية يخبرني أن كل عائلتي قد قتلت". وأضاف بينما كان ممسكا بيد والدته، "كنت أتساءل ما قيمة الخروج من السجن بعد أن فقدت والدي وإخوتي، ووالدتي، وزوجتي وأطفالي، الحياة بعدهم أصبحت بلا معنى".
وتابع، "في طريق عودتنا، صدمت من هول الدمار في كل مكان، فيما كان يردد شقيقي أسماء أقاربي الذين قتلوا في الحرب ... لقد تجاوزوا الـ50 قتيلا".
بعد لحظات، من وصول زقوت إلى خيمة عائلته، التف أطفاله الثلاثة حوله وبدأ يقبل وجوههم كما لو أنها المرة الأولى التي يراهم فيها، في مشهد مؤثر يعكس الثمن الباهظ الذي دفعه الأسرى الفلسطينيون. عن وضع الأسرى داخل السجون الإسرائيلية، أكد زقوت أنه "كارثي وسيئ"، مشيرا إلى أن سياسات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، تهدف إلى إذلال الأسرى والحط من كرامتهم، إلا أنه أشار إلى أن هذه السياسات فشلت في كسرهم، على حد تعبيره.
كل تلك الأسابيع والأشهر المريرة التي عاشها زقوت مع السجناء الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، نسيها (أو على الأقل تنساها) مع أول صباح يستيقظ به في الهواء الطلق. ويقول، "صحيح أنني نمت في خيمة ولكنني أشعر بأنني في قصر ليس رفاهية ولكن لأول مرة لا أستيقظ على إهانة السجانين ولا على أصوات زملائي بالسجن أثناء تعذيبهم". الشعور ذاته عاشه السجناء المحررون في مدينة غزة، حيث إنهم استنشقوا الهواء النقي لأول مرة منذ أشهر، وشمس غزة الدافئة على وجوههم كانت كأنها توقظ أحاسيس دفينة في داخله. بعضهم رافق أقاربه إلى شوارع غزة المدمرة، وكأنه يريد أن يستوعب الحرية التي طالما حلم بها، أمطر بعضهم الدموع مرة أخرى، ليس حزنا بل اندهاشا من بساطة الحياة التي غابت عنهم في زنازين السجون.
من بين المحررين، أحمد البلعاوي من مدينة غزة، الذي اعتقل قبل نحو عام، بدا وجهه متغيرا تماما بعد لحظة خروجه، وقف لحظات يحاول استيعاب حريته، قبل أن تحتضنه والدته بقوة وكأنها تعوض سنوات الغياب. وقالت وهي تبكي، "فتحنا لأحمد بيت عزاء لأنه وردنا أنه قُتل، ولم نجد جثمانه، وفجأة اكتشفنا أنه حي".
أيضاً، أحمد ناصر نصار من بيت لاهيا، الذي اعتقل في أكتوبر 2024 من مستشفى كمال عدوان، استقبلته عائلته المكونة من والديه وزوجته وأطفاله الأربعة، وهو يرفع أصابعه بإشارة "النصر" من نافذة الحافلة. وقال نصار (35 عاما)، "ما عشناه في السجون يشبه الجحيم، من تعذيب وضرب واستجواب مستمر، أشياء لا يمكن وصفها"، وعند أول فجر له خارج السجن، تنفس الهواء بعمق، وشعر لأول مرة بأشعة الشمس تداعب وجهه، وكأن الحرية تلامس روحه مباشرة.
وأطلقت إسرائيل بالمقابل سراح نحو 1968 أسيرا فلسطينيا، بينهم 1718 اعتقلتهم منذ بدء الحرب على غزة، وفق مكتب الأسرى التابع لـ"حماس" ومؤسسات فلسطينية أخرى.
وقال محمد زقوت مدير عام المستشفيات الميدانية في قطاع غزة، إن معظم الأسرى خرجوا بحالة صحية سيئة للغاية، مضيفا، إن تفشي مرض الجرب رُصد بين عدد كبير منهم.
ورغم شعور الأسرى الفلسطينيين بالحرية واعتبارهم أنهم "بعثوا من جديد"، اصطدموا فورا بواقع مرير من الدمار والفقد، والحزن الذي يخيم على غزة، في وقت تحاول فيه المدينة التعافي من عامين كاملين من الحرب. ومع أول صباح لهم، أدركوا أن الحرية لا تعني فقط الخروج من الزنزانة، بل مواجهة واقع مؤلم يحتاج إلى صبر طويل لتجاوزه.

 

0 تعليق