جيل اليوم يحتفي بالاستقالة وكأنها إنجازٌ شخصي، بينما هي في كثير من الحالات هروب أنيق من الالتزام والمثابرة.
في الماضي، كانت الاستقالة قراراً استثنائياً يأتي بعد أعوام من الكفاح، أما اليوم فقد أصبحت ردّ فعل فورياً على الملل، أو على عرض راتب أعلى ببضعة آلاف.
إن طموح الشباب مشروع، لكن الطموح الذي لا يعرف الصبر يتحول إلى نزق مهني، وإلى حياة مهنية بلا جذور.
ما نراه اليوم هو سوق عمل متخم بالعروض، لكنه فقير بالولاء، يتنقل الموظفون بين الشركات كما يُبدّلون هواتفهم، ويحسبون التغيير وحده دليلاً على النجاح.. ومع الوقت، تضيع الهوية المهنية وتبهت قيم الإخلاص، وتتحول الخبرة إلى تواريخ متفرقة في السيرة الذاتية لا يجمعها خطٌّ واضح أو قصة إنجاز حقيقية.
المؤسسات بدورها تتحمّل جزءاً من المسؤولية، فهي من غذّت هذا السلوك حين بالغت في المنافسة لجذب الكفاءات بالمزايا «الفلكية» بدل الاستثمار في بيئات عملٍ إنسانية ومستدامة.. وهكذا تشكّل لدينا سوقٌ يكرّم الراحلين أكثر مما يكرّم المخلصين، سوقٌ يُكافئ الانتقال لا الاستقرار، ويحتفي بالرحيل أكثر من الولاء.
نعم، رؤية 2030 فتحت الأبواب وخلقت فرصاً غير مسبوقة، لكن هذا يتطلب جيلاً يتقن الثبات! فالنجاح الحقيقي لا يُقاس بعدد العروض التي نتلقاها، بل بقدرتنا على أن نزرع أثراً حيث نقف.. فالأوطان لا تُبنى بالأيدي التي تلوّح مودعة، بل بالأيدي التي تبقى وتُنجز وتُؤمن أن الولاء المهني ليس ضعفاً.. بل شرفٌ يستحق التقدير.
أخبار ذات صلة
0 تعليق