محاضرة يوسف صايغ التنموية: الاقتصاد في وجه الإبادة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بقلم: آدم تووز*

يعطي عنوان محاضرة يوسف صايغ التنموية لهذا العام انطباعا مألوفا، يكاد يكون "طبيعيا". ففي خضم الحرب، يغدو من الطبيعي التفكير في "اليوم التالي". فعند رؤية الدمار، من الطبيعي التفكير بإعادة الإعمار. على نفس المنوال، سنفكر بالتنمية عندما نصطدم بمجتمعٍ ذي دخل مالي معين.
فيما يخص التاريخ، أين يسعنا أن نجد العظة والحكمة سوى في كتب التاريخ؟ أوليس التاريخ الاقتصادي حجر الأساس؟ الوتد والقوة الدافعة على المدى الطويل؟
إذا كان الحديث عن أوكرانيا، ميانمار، أو السودان، - ورغم أني لا أعلم إن كنت سأعطي إجاباتٍ جيدة - إلا أنني أشعر بأنني أعرف من أين سأبدأ إجابتي عن الأسئلة المطروحة، من "إعادة الإعمار والتنمية بعد الحرب – دروس من التاريخ".
ليس محض صدفة!
إن علم الاقتصاد، كما نعرفه، اليوم، قد خلق لكي يجيب عن أسئلةٍ كهذه؛ فالاقتصاد الحديث، كأحد فروع العلوم المتخصصة، له منابع مختلفة، لكن، ما أدى إلى ظهور علم الاقتصاد الكلي في القرن العشرين كان الحاجة القوية إلى التعبئة الحربية وإعادة الإعمار بعد الحروب. لدينا تاريخ طويل نستند إليه عند رسم هذه المعالم، وقد يكون فكر جون مينارد كينز بعد الحربين العالميتين أحد الأمثلة على ذلك.
حتى أن بعض مدارس الفكر الفلسفي التاريخي – ما يسمى مدرسة التجارة الحسنة (Doux Commerce) - ترى الاقتصاد كترياق شافٍ قادر على إنهاء الاضطرابات والصراعات التي تولد الحروب. من هذا المنظور، فإن الانتقال من صنع الحرب إلى التفكير باقتصاد ما بعد الحرب بذاته علامة تبشر بالخروج من أزمة وإيجاد الحلول.
من الطبيعي أن يبحث معهد "ماس" عن عنوانٍ مطمئن ذي نغمةٍ مألوفة. بيد أنه في اللحظة الراهنة، وفيما يخص فلسطين بالذات، يبدو العنوان الأصلي "إعادة الإعمار والتنمية بعد الحرب – دروس من التاريخ وسياسات لفلسطين" بالنسبة لي مزعجا لدرجة قد لا تطاق. ستجيب هذه المحاضرة عن طيفٍ من الأسئلة، البعض منها قد لا نستطيع أن نجد له إجابة بسيطة يمكننا أن نتفق عليها.
هل ما تعانيه فلسطين، وهل ما تفعله إسرائيل، يعدّ حربا؟ إذا كان هناك دمار، فما الهدف منه؟ هل الهدف منه عسكريّ؟ لا، فالهدف المعلن من هذا الدمار هو التطهير العرقي بوتيرةٍ ومستوى يفيان بأن يوصفا بالإبادة الجماعية.
بما أن هذا الدمار مستمر حتى اللحظة، هل من المسموح الحديث عن إعادة الإعمار؟ ففي حال صمتت المدافع، ستكون الإغاثة والتعافي بكل تأكيد الأولوية القصوى على مدار شهور طويلة.
هل تحتاج فكرة "إعادة الإعمار (reconstruction)" بحد ذاتها أن يدافع عنها في وجه المشاريع التي تسمى مجازا، مشاريع "إعادة التشكيل (reconstitution) والتي تعتمد بالأساس على المحو والضم والتوسع الاستيطاني - الاستعماري؟ في هذا السياق، لابد أن نعي أن خطة "صندوق غزة لإعادة التشكيل، وتسريع النمو الاقتصادي والتحول GREAT" والتي تبنتها إدارة دونالد ترامب كإحدى نزواته المروعة، ما هي إلا خطة إعادة تشكيل لا إعادة إعمار.
ألا تشكك تلك الخطط الضخمة المفروضة من جهات خارجية، بالأساس، بوجود كيان مستقل لدولة فلسطين؟ وما يتبع ذلك من سياسات تنموية سوف تطبق على هذا الكيان، أي "الدولة المستقلة"؟
إذاً، هل سيكون هناك اقتصاد كلي لفلسطين يمكننا أن نتكلم عنه خلال السنوات القادمة؟ أو ربما فقط اقتصاد كلي للبقاء والنزوح؟ ومتى يكون تعبيرنا عندما نتحدث عن "اقتصاد وطني" بدلا من مجموعة متناثرة من الجيوب هنا وهناك طمسا للحقيقة؟
فيما يخص الوعد القائل، إن التاريخ الاقتصادي يمكن أن يولّد بعض الثقة بفهمنا للواقع، أو حتى قد يُشكّل في حد ذاته "مسارا للسلام،" ربما يجب علينا أن نعترف بأن هذا الوهم ذاته أيضا تاريخي؟ ألا، يعود لحقبة "حل الدولتين" المندثرة والوعد بـ"شرق أوسط جديد"؟
بدون حكم مسبق على الإجابات، علينا أن نصّر على طرح تلك الأسئلة، ونحاول أن نقدم إجابةٍ عقلانية إن أردنا أن نعطي هذه اللحظة الحرجة حقها.
في هذه المحاضرة، أشعر بأنني مجبر بأن أسأل الأسئلة التالية:
● كيف يمكننا أن نفكر بالاقتصاد بشكل مختلف إذا ما تخلينا عن مفهومنا السابق والمألوف لإطار "اليوم التالي"؟
● ماذا لو أننا لم نندفع نحو المفاهيم والأفكار المسبقة لدينا حول "إعادة الإعمار"؟
● ماذا لو أننا واجهنا حقيقة أن "التنمية" ليست ملاذا من منطق القوة، بل هي محاولة لإعادة تشكيل هذه القوى؟
● كيف يمكن للباحث والمتخصّص أن يقوم بالتحليل الاقتصادي ويفهم التاريخ الاقتصادي في وجه مشروعٍ إبادة يقوم على محو الآخر، وفي وجه عدوانٍ مستمر مدعوم من أعتى اقتصادات العالم وأعظم القوى العالمية؟
__________________
* آدم تووز أستاذ التاريخ في جامعة كولومبيا، سيقدم محاضرة يوسف صايغ التنموية لهذا العام، والمقرر أن يعقدها معهد "ماس" بعد غدٍ، وهذه المقالة الثالثة والأخيرة تنشرها "الأيام" للمحاضر وحول موضوع المحاضرة.

0 تعليق