بعد التحول الأوروبي.. خيارات طهران بين المواجهة والعزلة الكاملة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

مع تصاعد التوتر حول الملف النووي الإيراني، برز تحول لافت في الموقف الأوروبي الذي انتقل تدريجيا من لعب دور الوسيط الحذر إلى الاصطفاف الواضح خلف الموقف الأميركي.

هذا الانزياح لا يقتصر على الجوانب التقنية المتعلقة بالتخصيب والتفتيش، بل يتجاوزها ليعكس حسابات سياسية وإستراتيجية مرتبطة بالحرب في أوكرانيا وتوازنات القوى مع موسكو وبكين، وهو ما يضع طهران أمام عزلة دبلوماسية متنامية وخيارات تزداد تعقيدا.

اقرأ أيضا

list of 4 items end of list

التهديد الإيراني باستبعاد الترويكا الأوروبية من أي مسارات تفاوضية مستقبلية يعكس شعورا متزايدا بأن أوروبا لم تعد شريكا يمكن المراهنة عليه.

فوفقا لرؤية الدبلوماسي الإيراني السابق عباس خمايار، إن ما يجري ليس مفاوضات حقيقية، بل محاولة لفرض أجندة أميركية عبر البوابة الأوروبية، الأمر الذي يجعل القارة العجوز مجرد تابع سياسي، لا طرفا مستقلا.

في المقابل، تبدو القراءة الأوروبية مختلفة تماما، إذ تعتبر باريس وبرلين ولندن أن طهران لم تلتزم التزاما كاملا بمتطلبات الشفافية مع وكالة الطاقة الذرية، وهو ما يجعلها أقرب إلى واشنطن في مقاربة الملف.

انحياز أوروبي

ويرى أستاذ العلوم السياسية في باريس زياد ماجد أن أوروبا، تحت ضغط حاجتها للدعم الأميركي في ملفات أخرى، لم تعد قادرة على التمايز، فاختارت الانحياز إلى الموقف الأميركي، ولو على حساب دورها التوفيقي التقليدي.

هذا التحول الأوروبي يترك إيران أمام معادلة أكثر صعوبة، فمن جهة تواصل موسكو وبكين توفير هامش سياسي يمنع عزلا كاملا، لكن قدرة هذين البلدين على تعويض الخسائر الاقتصادية الإيرانية تبقى محدودة.

ومن جهة أخرى، فإن التصعيد الأميركي الأوروبي يضاعف الضغوط الاقتصادية، مع تزايد احتمالات فرض عقوبات أشد قسوة تشمل قطاعات حيوية كالتسليح والطاقة والمالية.

ويشير المحلل الأميركي أدولفو فرانكو إلى أن إدارة الرئيس دونالد ترامب لا ترى بديلا عن التفتيش غير المشروط للمواقع النووية، ملوحا بأن استمرار المسار الحالي قد يقود إلى ضربات عسكرية ضد طهران.

إعلان

هذا الخطاب يكرّس -حسب مراقبين- بيئة تفاوضية قائمة على الإملاء أكثر من الحوار، ويدفع إيران إلى التفكير بخيارات مواجهة غير مأمونة العواقب.

لكن هذه الخيارات لا تبدو مريحة لطهران، فالتشدد قد يقود إلى عزلة خانقة وانهيار اقتصادي متسارع، بينما الانخراط في تنازلات جزئية يحمل خطر الظهور بموقع الضعف أمام الداخل والخارج.

رهان طهران

لذلك، تراهن طهران على كسب الوقت وإبقاء الباب مفتوحا أمام تفاوض مشروط، مع التلويح بتوسيع تعاونها مع روسيا والصين كوسيلة موازنة للضغط الغربي.

غير أن هذا الرهان يواجه تحديات موضوعية، فروسيا الغارقة في حربها الأوكرانية لا تملك فائض قدرة لإنقاذ الاقتصاد الإيراني من آثار العقوبات، والصين -التي تُعتبر الشريك التجاري الأهم لطهران- ظلت تتعامل ببراغماتية في كل المراحل السابقة، بما يضمن مصالحها دون الانخراط في مواجهة مباشرة مع الغرب.

المعضلة الكبرى تكمن في أن الخطاب الإيراني ما زال يعوّل على كشف ازدواجية المعايير الدولية، سواء عبر مقارنة برنامجها النووي بالتجاهل الدولي للترسانة الإسرائيلية، أو بالإشارة إلى أن الانسحاب الأميركي من اتفاق 2015 هو أصل الأزمة.

لكن هذا المنطق، وإن كان يجد تعاطفا سياسيا وأخلاقيا في بعض الأوساط، لم يعد كافيا لتغيير موازين القوى الفعلية على طاولة المفاوضات.

ولذلك، فإن أوروبا التي كانت قبل سنوات تحاول لعب دور صمام أمان بين واشنطن وطهران، باتت اليوم أقرب إلى طرف ضاغط، بينما يزداد موقف إيران تعقيدا بفعل تشابك أزماتها الداخلية والخارجية.

وفي غياب مبادرة توازن حقيقية، تبدو المرحلة المقبلة محكومة إما بمزيد من التصعيد والعقوبات، أو بتسوية تفرضها موازين القوى على حساب طهران.

0 تعليق