كتب محمد الجمل:
مازال العدوان الإسرائيلي على مدينة غزة يتصاعد يوماً بعد يوم، وتتعمق عمليات التوغل البري في قلب المدينة، وتتواصل الغارات الجوية، ويتصاعد تفجير "الروبوتات" المفخخة، بينما تنهار الخدمات خاصة الصحية على نحو متسارع وغير مسبوق.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من قلب العدوان المتصاعد على مدينة غزة، منها مشهد بعنوان: "الفرار من الدبابات والروبوتات"، ومشهد آخر يوثق انهيار النظام الصحي في المدينة، ومشهد ثالث يكشف نزوح أنصاف الأسر عن المدينة.
الفرار من الدبابات و"الروبوتات"
يعيش نحو نصف مليون مواطن مازالوا يتواجدون في مدينة غزة ومحيطها، حياة قاسية وصعبة، ويفرون من حي إلى حي، ومن شارع إلى شارع، للنجاة بأنفسهم من الدبابات، والمُسيّرات، و"الروبوتات" المفخخة.
ويبقى المواطنون في مدينة غزة في حالة تأهب واستعداد دائم للتحرك، فكلما وصلت الدبابات الى منطقة معينة، تركوها باتجاه منطقة أخرى، وإذا ما شاهدوا عربات مفخخة "روبوتات"، تتقدم باتجاه الحي الذي يقطنون فيه، يسارعون إلى إخلائه.
وذكر المواطن أمجد يوسف من سكان مدينة غزة، أنه وعائلته كانوا يقيمون في محيط "مربع الجامعات"، بحي الرمال في المدينة، وتفاجؤوا مساء الإثنين الماضي برتل من الدبابات يتقدم باتجاه المنطقة، وقد رافق التقدم المذكور قصف عنيف من الطائرات والمدفعية، ما اضطرهم للانتقال على الفور باتجاه الغرب، ولجؤوا إلى ميناء غزة.
وأشار يوسف إلى أن مَن قرر البقاء في مدينة غزة عليه أن يبقى في حالة يقظة، ويتنقل من حي إلى حي ومن شارع إلى شارع حتى ينجو بحياته وحياة عائلته، مُدركاً أن منطقة الميناء ليست المحطة الأخيرة للتنقل داخل المدينة، فقد يضطر للانتقال إلى مناطق أخرى في حال وصلت الدبابات من ناحية مخيم الشاطئ، وهي في طريق تقدمها باتجاه الميناء.
بينما قال المواطن محمد عرفات إن المواطنين في مدينة غزة يعيشون حياة قاسية وصعبة، وأن الموت يلاحقهم من شارع إلى شارع، مع استمرار تقدم الدبابات باتجاه عمق وغرب المدينة من الناحيتين الشمالية والجنوبية، موضحاً أن الناس يفرون تحت القصف والنيران، ويلجؤون إلى أحياء لم تصلها الدبابات بعد.
وأكد عرفات أنه تنقل حتى الآن 3 مرات داخل المدينة، وفي إحدى المرات جلس وأفراد عائلته تحت مبنى متضرر لساعتين فقط قبل أن يضطر لتغيير مكانه، والنزوح باتجاه مكان آخر.
وأوضح أنه بعد انتقاله إلى مكان جديد يبقى في حالة يقظة مستمرة، ويركز في سمعه على صوت الدبابات، أو المُسيّرات الصغيرة "كواد كابتر"، وإذ سمع صوت الدبابات يحاول تحديد موقعها والفرار في الاتجاه المعاكس، أما إذا سمع صوت المُسيّرات الصغيرة، فيسارع للتخفي، حتى لا يطاله رصاصها.
وأكد أنه لن يغادر مدينة غزة باتجاه جنوب القطاع، وهو يدرك أن الاحتلال سيحاصر المدينة في المرحلة اللاحقة، ولن يسمح لمن غادرها بالعودة مطلقاً، لذلك البقاء في المدينة رغم خطورته العالية ومشقته، إلا أنه يعتبر الخيار الأفضل.
انهيار النظام الصحي
يواصل النظام الصحي في مدينة غزة حالة الانهيار السريع، مع استمرار العمليات العسكرية، وإخراج المزيد من المستشفيات عن الخدمة، بالتزامن مع منع وصول الوقود والأدوية والمستهلكات الطبية إلى مدينة غزة.
وأصدرت وزارة الصحة نداء استغاثة عاجلاً جاء فيه أن المنظومة الصحية في غزة تلفظ أنفاسها الأخيرة، وكل محاولات إنقاذ ما تبقى قد تفشل تحت وطأة التدمير الممنهج للمستشفيات والخدمات الصحية.
وأكدت وزارة الصحة في غزة، خروج المزيد من المستشفيات عن الخدمة في مدينة غزة جراء العدوان المستمر، حيث خرج مؤخراً مستشفى الرنتيسي للأطفال، وكذلك مستشفى العيون عن الخدمة، جراء الاستهداف المستمر لمحيط المستشفيين، إضافة إلى تدمير مركز الإغاثة الطبية الصحي في المدينة.
وبينت وزارة الصحة أن مستشفى الرنتيسي تعرض للقصف المباشر قبل أيام ما ألحق أضراراً جسيمة به، كما أن مستشفى العيون هو المستشفى العام الوحيد الذي يقدم خدمات العيون في محافظة غزة، وكذلك مستشفى الرنتيسي بما يحتويه من خدمات لا تتواجد إلا في هذه المستشفى.
وأشارت الوزارة إلى أن الاحتلال يتعمد، وبشكل ممنهج، ضرب منظومة الخدمات الصحية في محافظة غزة، وذلك ضمن سياسة الإبادة الجماعية التي يشنها على القطاع.
وشددت على أن جميع المرافق والمستشفيات لا يوجد إليها طُرق آمنة تُمكّن المرضى والجرحى من الوصول إليها، وأن المرضى والجرحى يواجهون صعوبة بالغة في الوصول إلى المستشفى الميداني الأردني ومستشفى القدس نتيجة القصف المستمر.
وجددت الوزارة مطالبتها كافة الجهات المعنية بتوفير الحماية للمؤسسات الصحية والطواقم الطبية، العاملة في المدينة.
وكان الدفاع المدني في قطاع غزة أكد أنه تلقى عشرات النداءات والاستغاثات من مختلف مناطق المدينة، تفيد بوجود مصابين في منازل وتحت الأنقاض بمناطق خطرة، لا تستطيع فرق الإنقاذ الوصول إليهم ونقلهم إلى ما تبقى من مراكز صحية ومستشفيات.
ويرى مراقبون ومختصون أن الأوضاع الصحية في غزة دخلت مرحلة الانهيار شبه الكامل، في ظل النقص الحاد في المستلزمات الطبية والأدوية، والانقطاع المتكرر للوقود اللازم لتشغيل المستشفيات، مؤكدين أن استمرار هذه الأوضاع سيؤدي إلى كارثة إنسانية واسعة، خاصة مع الارتفاع المستمر في أعداد الضحايا.
وإلى جانب استهداف القطاع الصحي في مدينة غزة، تواجه باقي المستشفيات والمراكز الصحية في القطاع ظروفاً عصيبة جراء أزمة نقص الوقود فيما تبقى من مستشفيات عاملة في القطاع، حيث أكدت وزارة الصحة أن أياماً قليلة قد تحمل معها مشاهد توقف عمل الأقسام الحيوية في المستشفيات، ما يعني تفاقم الأزمة الصحية وتعريض حياة المرضى والجرحى للموت المحقق.
نزوح نصف العائلة
في ظل اشتداد العدوان على مدينة غزة، ورفض الكثير من العائلات النزوح باتجاه الجنوب، لجأ الكثير من الأسر إلى حالة تسمى "النزوح الجزئي للأسرة"، بحيث يغادر جزء من الأسرة مدينة غزة باتجاه جنوب القطاع، ويبقى آخرون في المدينة.
وعادة ما يغادر مدينة غزة النساء والأطفال والمُسنون، ومعهم شاب واحد للمساعدة في توفير متطلبات النزوح، ويبقى الشبان والفتية في غزة، فهم أكثر قدرة على التنقل والفرار، ويحتملون العيش في ظل الظروف الصعبة.
وقال المُسن إبراهيم طه، إن أبناءه الثلاثة وزوجاتهم وابنته وزوجها إضافة إلى زوجته تجمعوا في بناية واحدة بمدينة غزة، وبعد التشاور، قرروا تقسيم أنفسهم إلى قسمين، الأول ينزح باتجاه الجنوب، وهم النساء والأطفال، ومعهم هو وزوجته، على أن يرافقهم أصغر أبنائه، وأن يبقى نجلاه الآخران وزوج ابنته في مدينة غزة.
ولفت إلى أن الذين بقوا في غزة أبقوا معهم القليل من الحاجيات، وبعض الطعام، وكل منهم يحمل حقيبة على ظهره، ويتنقلون من مكان إلى آخر، وهم يرفضون النزوح.
وأشار إلى أن بقاء جزء من العائلة مهم للحفاظ على أملاك العائلة، ومنع سرقتها أو التعدي عليها.
ونوّه طه إلى أنه يتحدث إليهم كل يوم، ويطمئن على أوضاعهم، وقد أخبروه بأن مدينة غزة مازالت عامرة بالسكان، وغالبية الأسر بقيت، وكثير من الأسر نزحت بشكل جزئي، موضحاً أنه في حال حدوث أي جديد على الأوضاع في المدينة خلال الفترة المقبلة، سيعود وباقي أفراد العائلة للمدينة.
من جهتها، قالت المواطنة فاطمة مصطفى إن أبناءها الثلاثة مازالوا في مدينة غزة، وهي وباقي أفراد العائلة يقيمون في مواصي خان يونس، وهي تعيش حالة من القلق الكبير، وتتوسل لأبنائها كل يوم بترك المدينة والمجيء للجنوب، لكنهم يرفضون ذلك وبشدة.
وبينت أن أغلب جيرانها في الخيمة التي تقيم فيها بمواصي خان يونس هم من نازحي مدينة غزة، وقد أخبروها ببقاء جزء من عائلاتهم في مدينة غزة، وأن النزوح كان جزئياً.
0 تعليق