عاجل

الموديلات الافتراضية.. ثورة الذكاء الاصطناعي في الإعلام والإعلان - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

بينما ينشغل إيلون ماسك بالتحذير من نهاية العالم بسبب الذكاء الاصطناعي، يرى أندرو نغ أن القلق الحقيقي يكمن في فقدان الناس لوظائفهم، مؤكدًا أن المجتمع سيضطر إلى التكيف مع واقع يتعلم فيه الأفراد باستمرار تبعًا للمهارات المطلوبة في السوق.

وهذه الرؤية لا تعبر فقط عن خوف من المستقبل، بل تكشف عن تحول جوهري في علاقتنا بالتقنية، بات يطال حتى أكثر المجالات ارتباطا بالإبداع البشري كعالم الإعلانات.

فاليوم، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة مساعدة في تصميم الحملات أو تحليل البيانات، بل أصبح عنصرا فاعلا في صناعة الوجوه نفسها، حيث أصبحت الموديلات الافتراضية تُولّد من خوارزميات معقدة لتصبح سفراء رقميّين للعلامات التجارية.

ومن خلال هذه النماذج، تنتقل الإعلانات من حدود الصورة الثابتة إلى تجربة مخصصة وغامِرة تخاطب كل فرد على نحو فريد.

ولكن هذا التحول المذهل لا يخلو من التحديات الأخلاقية والتقنية التي تضعنا أمام تساؤلات حول حدود الابتكار، والملكية الفكرية، وموقع الإنسان في عالم يصنع فيه الذكاء الاصطناعي الجمال، ويعيد تعريف الحقيقة ذاتها.

Transparent brain with blue light on microchip on complex circuit board. Artificial intelligence concept. 3D Illustration
العاملون في التجارة الإلكترونية من أكثر الفئات عرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي (غيتي)

الموديل الرقمي.. بكسل بدل البشر

مع تقدم الذكاء الاصطناعي، لم يعد الحدث مقتصرا على تعديل الصور أو تحسين الحملات الإعلانية، بل أصبح بإمكان المصممين استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتغيير ملامح العارضين في الصور الرقمية، وتعديل ما يرتدونه، أو حتى استبدالهم تمامًا بصور رمزية رقمية بالكامل.

وتفتح هذه القدرة آفاقًا جديدة للإبداع، لكنها تطرح أيضا تساؤلات حول الدور الاقتصادي والعاطفي للعارضين في الصناعة.

وكان هذا التأثير محور حدث "المسؤولية حسب التصميم: الذكاء الاصطناعي، الأزياء، والعمل الإبداعي" الذي أُقيم ضمن أسبوع نيويورك للموضة 2025 واستضافته "موديل آلينس" (Model Alliance) وهي مجموعة حقوق عمال صناعة الأزياء.

إعلان

وشمل الحدث، الذي أقيم يوم 9 سبتمبر/أيلول، عرضا حول الذكاء الاصطناعي والعارضين قدمته الباحثة العليا زووي ويست من معهد العاملين بمدرسة "آي إل آر" (ILR) وسانجاي بينتو زميل في المعهد، وألكسندرا ماتيسكو باحثة في مبادرة مستقبل العمل في معهد "داتا أند سوسيتي" (Data & Society).

وقد قام الثلاثة بإعداد ورقة بحثية قادمة، بالاستناد إلى أبحاث أجريت بالتعاون مع "موديل آلينس" وبدعم من "أوميديار نتوورك" (Omidyar Network) و"فورد فاونديشن" (Ford Foundation). وأوضحت ويست "أردنا فهما أفضل لما يحدث على أرض الواقع مع استخدام الذكاء الاصطناعي في عرض الأزياء وكيف يختبرهُ العارضون".

وقد أصدر الفريق ملخصًا بحثيًا بعنوان "النسخ الرقمية لعالم الموضة: كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل عمل العارضين" وشارك النتائج الرئيسية في مقال بمجلة "تين فوغ" (Teen Vogue).

وأكد الباحثون أن العارضين الحقيقيين وجلسات التصوير لا يزالون عنصرا مهما لصناعة الأزياء، وأن استبدال العارضين العاديين وجلسات بنماذج صناعية أو صور رمزية رقمية ليس مستقبلا عمليًا في كثير من السياقات الإبداعية والتحريرية، حيث يظل التصميم والأسلوب يعكسان هوية العلامة التجارية ويمنحانِ الحملات تميزا وجاذبيةً فريدةً.

عقود هشة ووجوه بلا ملكيّة

جمع الباحثون بين تركيز معهد العاملين على العمل الهش وتركيز "داتا أند ساينس" على تأثير الذكاء الاصطناعي التوليدي في أماكن العمل، خاصة في الصناعات الإبداعية مثل هوليود.

وأوضحُوا أن إدخال معايير حول الذكاء الاصطناعي أسهل في السينما والتلفزيون لأن العمال هناك ينتمون إلى نقابات، في حين يصنف العارضون كمُقاولين مستقلين، ولا يمكنهم الانضمام إلى النقابات.

وقالت ويست "هناك مثل هذه الاختلالات في القوة، وانتهاكات واسعة لحماية العمال. ويفتقد العارضون إلى ملكية أو سيطرة على صورهم، مع شفافية قليلة جدا في العقود. ويحتاج العارضون إلى أن يكون لديهم القدرة على فرض أي معايير يتم وضعها. وعلى الرغم من الصورة البراقة لعالم الأزياء، إلا أن العارضين غالبا ما يكونون عمالا في وضع هش جدًا".

وفي السياق ذاته، ومن خلال سلسلة مقابلات مع العارضين، اكتشف الفريق أن الذكاء الاصطناعي زاد من مشكلة إعادة استخدام الصور دون إذن أو دفع أجر للعارض. فقد أصبحت العلامات التجارية قادرة على توظيف متعاقدين لتحويل صورة واحدة إلى سلسلة من الصور التي تظهر عدة أزياء، بدلا من دفع أجر لجلسة تصوير كاملة.

وأوضح العارضون أن أدوات الذكاء الاصطناعي سهلت تعديل صورهم لأغراض متعددة، بما في ذلك ما يعرف بـ"فرانكشتاين" (Frankensteining) الرقمي، أي دمج أجزاء من أجسام عدة عارضين في صورة واحدة. وقالت إحدى العارضات الأميركية الآسيوية "رؤية وجه عارضة بيضاء مركبًا رقميًا على جسدي شعرت به وكأنه صفعة على الوجه".

كما أعرب العارضون عن مخاوف تتعلق بالتحيز العنصري المدمج في أدوات الذكاء الاصطناعي، والذي يعكس معايير جمال عرقية ضيقة بدلا من شمول مجموعة واسعة من المظاهر. ولفتوا إلى أن هذه الأدوات قد تعزز معايير جمال غير صحية من خلال إدماج مثالية رقمية لا تمثل الأجساد الحقيقية.

إعلان

وأشار الباحثون إلى قانون عمل الموضة في ولاية نيويورك، الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو/حزيران 2025، كخطوة في الاتجاه الصحيح، لكنهم حذروا من ضرورة القيام بالمزيد لوضع معايير تحمي المصالح الاقتصادية والعاطفية للعارضين.

AI prompt chat bot. Search website to generate data, text or image. Man using computer with artificial intelligence app. Virtual assistant in digital creative work. Content generator technology.
الذكاء الاصطناعي يمكن أن يعزز ويقوّض صوت العلامة التجارية بحسب مدى اتساقه مع جوهرها الحقيقي (شترستوك)

الصورة القاتمة.. ثمن الابتكار الرقمي

هذه الإشكالات القانونية لم تبقَ حبيسة العقود، بل انعكست سريعًا في ممارسات الشركات الكبرى، وسلوكها الإعلاني.

فَرغم أن بعض العلامات التجارية مثل "إتش أند إم" (H&M) كانت صريحة بشأن نيتها استخدام الذكاء الاصطناعي في عرض الأزياء، معتبرة إياه وسيلة للابتكار وتقليل التكاليف، فإن الواقع يعكس ثمنًا حقيقيًا لهذا الابتكار، خصوصا العارضين الذين يجدون أنفسهم في بيئة تهيمن عليها علاقات قوة غير متكافئة، حيث تملك العلامات التجارية والوكالات تأثيرا كبيرًا على مصدر رزقهم.

وفي هذا السياق، يشير البحث ذاته إلى أن عارضي التجارة الإلكترونية وعارضي القياس (fit models) هم الأكثر عرضة لتأثيرات الذكاء الاصطناعي، إذ يمكن للشركات صنع وهمٍ بالتنوع العرقي أو الجسدي أو العمري باستخدام نماذج رقمية توليدية.

وفي مثال حديث، تعرضت علامة الأزياء السريعة جدا "شي إن" (Shein) لانتقادات واسعة بعد ظهور صورة لويجي مانغيون المتهم في حادثة إطلاق النار على الرئيس التنفيذي لشركة "يونايتد هيلث" على موقعها الإلكتروني.

وذكرت هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن الصورة أزيلت فور اكتشافها بعد أن تبين أنها مقدمة من بائع طرف ثالث. وأوضحت شي "نجري تحقيقا شاملا، ونعزز عمليات المراقبة لدينا، وسنتخذ الإجراءات المناسبة ضد البائع بما يتماشى مع سياساتنا".

لكن الحادثة كشفت نقصًا خطيرًا في التمييز والمسؤولية في استخدام الصور المولدة بالذكاء الاصطناعي. فحتى لو كان الإدراج خطأ، فإنها تبرز خطر أن يجد أي شخص، سواء كان عارضًا أو مؤثرًا، صورته تستخدم للترويج لمنتج لا يعرف عنه شيئا، وربما لا يتفق معه إطلاقًا.

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد أشار عدد من العارضات اللواتي تحدثن للباحثين إلى أن التلاعب بالصور يُستخدم أحيانا بطريقة تجنّس صورهنّ أو تمنحها طابعًا جنسيًا دون إذن. وفي مثل هذه الحالات، لا يمتلكن أي وسيلة فعالة لاسترداد حقوقهن أو الاعتراض.

Artificial Intelligence written newspaper close up shot to the text.; Shutterstock ID 1021224133; purchase_order: aj; job: ; client: ; other:
المتخصصون في الصحة النفسية حذروا من تأثير الصور المثالية المولدة على إدراك الذات والجمال الواقعي (شترستوك)

"غيس" و"فوغ".. الجمال الافتراضي الخادع

ولم يتوقف الجدل عند الانتهاكات الفردية، بل وصل إلى كُبرى العلامات التجارية التي تبنت الذكاء الاصطناعي في حملاتها الدعائية، لتجد نفسها في مواجهة اتهامات بالخداع البصري.

وقد واجهت شركتا "غيس" (Guess) و"فوغ" (Vogue) انتقادات واسعة بسبب عرض عارضتين مولدتين بالذكاء الاصطناعي في عدد أغسطس/آب 2025 من المجلة، دون توضيح ذلك.

إذ كشف الإعلان عن تحدٍّ جديد في عالم الموضة، وهو كيف يمكن للجمال الرقمي أن يضلل الجمهور ويعيد تشكيل توقعاته عن الواقعية والجمال، حتى في سياق محتوى إعلاني مدفوع.

وقد تم إنتاج الحملة بواسطة وكالة "سيرافين فالورا" (Seraphinne Vallora) البريطانية التي أكدت أن الهدف ليس استبدال المصورين أو العارضين البشريين، بل تكميل احتياجات العلامة التجارية.

وقد أثار التنويه الصغير جدا في الإعلان، الذي لم يلاحظه الكثيرون إطلاقًا، نقاشًا أخلاقيًا جديدًا حول دور الذكاء الاصطناعي في عالم الأزياء ومعايير الجمال غير الواقعية التي يرسخها. وكتب أحد مستخدمي تيك توك "نريد أن نرى أشخاصا حقيقيين في المجلات".

كما وجه بعض القُرّاء انتقادات مباشرة لعلامة "غيس" نفسها، قائلين إن هذه الخطوة بدت وكأنها "تخلٍّ عن هويّة الأنوثة الجذابة" التي بنتها العلامة سابقًا من خلال نجمات مثل درو باريمور وإيفا ميندز.

إعلان

وقد أظهر الإعلان مدى واقعية العارضتين الرقميّتين، فيفيان وأنستاسيا، وصعوبة التمييز بينهما وبين البشر الحقيقيين، مما أثار شعورًا بالارتباك والخداع لدى الجمهور.

وأوضحت مجلة "فوغ" لاحقًا أن الإعلان محتوى مدفوع، وأن العارضتين لم تشاركا في جلسة تصوير فعلية، لكنها لم تهدئ غضب النقاد الذين شعروا بأنهم تعرضوا للخداع.

وأضافت صانعتَا الحملة، فالنتينا غونزاليس وأندريا بيتريسكو -في مقابلة مع برنامج "غود مورنينغ أميركا"- إن هدفهما هو تلبية احتياجات العملاء وصنع محتوى جمالي، وليس تغيير هوية العلامة التجارية.

ومع ذلك، حذر المتخصصون في الصحة النفسية من تأثير الصور المثالية المولدة على إدراك الذات والجمال الواقعي. وقالت عالمة النفس الدكتورة رايتشل هوكينز في مقابلة لها مع برنامج "جي إم إيه" (GMA) "كلما تعرضنا لهذه الصور أكثر، تصبح مألوفة لدينا، ونبدأ في تمجيد صور لا وجود لها في الواقع".

"غيس" و"فوغ" ليسَا المثال الوحيد، فقد واجهت "تويز آر أس" (Toys “R” Us) انتقادات مشابهة بعد إصدار فيلم ترويجي بالكامل بالذكاء الاصطناعي، كما تعرض إعلان "كوكا كولا" لإعادة إنتاج باستخدام الذكاء الاصطناعي للنسخة الشهيرة لعيد الميلاد 1995، واعتبر خاليًا من المشاعر والدفء الإنساني.

صوت العلامة التجارية والإنسان أمام سيل الذكاء الاصطناعي

من ناحية أخرى، استفادت علامات مثل "ليكويد ديث" (Liquid Death) من إعلانات أنشأها المعجبون باستخدام الذكاء الاصطناعي، حيث نجحت في التقاط نغمة العلامة التجارية بدقة لدرجة أن الجمهور ظنها رسمية.

وهنا يكمن الخطر والفرصة في آن واحد، إذ يمكن للذكاء الاصطناعي أن يعزز ويقوّض صوت العلامة التجارية بحسب مدى اتساقه مع جوهرها الحقيقي، حيث أن التنفيذ الصادق والمسؤول هو ما يصنع الفارق بين تعزيز العلامة التجارية أو تقويضها بالكامل.

وفي النهاية، وبينما تتلألأ الأضواء على منصات نيويورك ولندن، وتبتسم العارضات الرقمية بوجوه ثابتة جامدة، يظل الإنسان يصارع السؤال نفسه "هل نصنع آلات تحلّ محلنا، أم أدوات تمنحنا الحرية والأمان؟".

ولا يقتصر هذا السؤال على الغرب، بل يهم العالم العربي أيضا، حيث بدأت بعض العلامات التجارية في استكشاف الذكاء الاصطناعي كوسيلة لإبداع محتوى إعلاني جديد، يوازن بين الابتكار والقيم الاجتماعية.

وفي هذا العالم الرقمي، يمكن للمرأة أن تقدم نفسها عبر نسخة افتراضية تحمي كرامتها، دون أن تتعرض لمخاطر جسدية أو نفسية، أو تجبر على التنازل عن قيمها. لكنها في الوقت نفسه تواجه تحديات حقيقية، أهمها خطر تهميش المواهب الحقيقية، وتعزيز معايير جمال افتراضية لا تمثل الواقع، وفقدان البعد الإنساني في الصناعة.

فهل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون رفيقًا وتمكينًا للإنسان، لا بديلا عنه، ليصنع عالمًا إبداعيًا أكثر أمانًا وعدلًا وإنسانية، سواء في الغرب أم العالم العربي؟

0 تعليق