بينما تتصاعد هجمات المستوطنين في الضفة الغربية بوتيرة غير مسبوقة، تكشف حلقة “للقصة بقية” عبر شهادات وخرائط كيف يُنهب التراب الفلسطيني وتُقسم الأرض قطعة قطعة تحت رعاية رسمية إسرائيلية.
فمن قرى نابلس إلى تلال رام الله تتكرر الحكاية ذاتها.. اعتداءات ليلية، وأراض تُصادر، ومستعمرات تنمو في وضح النهار، وما بدأت كبؤر صغيرة تحت حماية الجيش الإسرائيلي صارت اليوم شبكة متكاملة من المستوطنات تبتلع الجغرافيا الفلسطينية بلا توقف.
ووثق التقرير -الذي عرضته الحلقة- شهادات مؤلمة لفلاحين خسروا أراضيهم ومواشيهم في هجمات منظمة، وأوضح عبر حديث معنيين بالاستيطان كيف يعتمد الاحتلال سياسة فرض الأمر الواقع ويحوله إلى مشروع استيطاني منظم، تُموّله الدولة وتُشرعنه القوانين والقرارات الحكومية.
اقرأ أيضا
list of 4 items end of listوبين صوت المزارع الفلسطيني الذي يصرخ: "يأتون ليلا.. يسرقون الغنم ويقطعون الأشجار"، وصمت الأرض التي تشهد على الخراب، تنكشف سياسة ممنهجة لا يبدو فيها العنف طارئا، بل جزءا من هندسة الاستيطان.
فالتقرير يوثق كيف يُمهَّد الطريق أولا لجرافة، ثم تُقام خيمة، لتتحول الخيمة إلى بؤرة استيطانية جديدة، تليها حماية عسكرية وشبكة مياه وكهرباء، فتُصبح "الواقعة" أمرا قانونيا بقرار من سلطات الاحتلال.
تتبدى المفارقة حين تُقارن الخرائط بين ما كانت عليه الضفة الغربية عام 1967 وما أصبحت عليه اليوم، حيث تُظهر الخرائط الحديثة انتشار المستوطنات كأورام في الجسد الفلسطيني، وبينما تنكمش المساحات الفلسطينية يوما بعد يوم، تتسع المستوطنات كأنها تنمو من رحم الخطة ذاتها.
ويصف أحد الشهود كيف دهم المستوطنون أرضه عند الفجر وسرقوا قطيعه المؤلف من مئات المواشي تحت حماية جنود الاحتلال، وفي حين تُظهر الكاميرا آثار الجريمة، من أغنام مذبوحة وأشجار مثقوبة الجذوع، يروي الرجل بمرارة: "ما تركوا لنا سوى التراب.. حتى الهواء صار يخاف من وجودهم".
دور رسمي
ولم يكتف التقرير بتوثيق الانتهاكات الميدانية، بل أظهر الدور الرسمي الإسرائيلي في رعاية هذا التمدد، فالخرائط التي عُرضت خلال الحلقة كشفت عن مخططات جديدة لبناء آلاف الوحدات الاستيطانية أقرّتها حكومة نتنياهو، في إطار ما تسمى "شرعنة البؤر" التي بدأت كنقاط غير قانونية ثم تحولت إلى مستوطنات قائمة.
وفي الجزء التحليلي من الحلقة، أكد الدكتور عبد اللطيف خضر، أستاذ القانون الدولي ومدير المرصد الفلسطيني لحقوق الإنسان، أن ما يجري في الضفة الغربية ليس مجرد تعدٍ فردي من مستوطنين متطرفين، بل سياسة رسمية تتبناها مؤسسات الدولة الإسرائيلية على نحو ممنهج ومدروس.
وأوضح أن الاستيطان يمثل جريمة حرب مكتملة الأركان وفق القانون الدولي، لأنه يقوم على نقل سكان دولة الاحتلال إلى الأراضي المحتلة قسرا، وهو ما تحظره اتفاقية جنيف الرابعة.
وأشار خضر إلى أن التوسع الاستيطاني يشكل تحديا مباشرا لفكرة قيام دولة فلسطينية، فشبكة الطرق الالتفافية والجدران العازلة والمناطق العسكرية المغلقة تُقسم الضفة إلى جزر معزولة، وتجعل من المستحيل بناء كيان سياسي متصل.
وأضاف أن حكومة الاحتلال لا تكتفي بحماية المستوطنين، بل تمنحهم ميزانيات ضخمة وتغض الطرف عن اعتداءاتهم اليومية.
وحذر خضر من أن التصعيد الأخير في هجمات المستوطنين يتزامن مع قرار إسرائيلي بضم فعلي لمناطق "ج"، التي تشكل نحو 60% من مساحة الضفة، مؤكدا أن هذا المسار يقود نحو إنهاء أي احتمال لتسوية سياسية عادلة.
وقال إن المجتمع الدولي "يكتفي ببيانات القلق"، بينما تتسارع الوقائع على الأرض لصالح مشروع استيطاني لا يخفي نياته التوسعية.
استعمار عنصري
من جانبها، شددت المقررة الخاصة للأمم المتحدة لحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فرانشيسكا ألبانيزي، على أن ما يجري في الضفة الغربية "هو استعمار استيطاني عنصري مكتمل المعالم".
وأوضحت أن حكومة الاحتلال تستخدم المستوطنين كأداة لتغيير التركيبة السكانية وفرض واقع جديد بالقوة، مضيفة أن الاعتداءات المتكررة تهدف إلى "دفع الفلسطينيين إلى الرحيل الصامت عن أرضهم".
ورأت ألبانيزي أن الدعم السياسي والعسكري الذي تحظى به إسرائيل من بعض القوى الغربية يفاقم الانتهاكات، إذ يُفلت المستوطنون من العقاب حتى في حالات القتل العمد، بينما يُحاكم الفلسطينيون على مقاومة الاحتلال، واعتبرت أن هذه المفارقة "تكشف عمق ازدواجية المعايير في النظام الدولي".
وأشارت إلى أن الأمم المتحدة وثّقت مئات الهجمات على القرى الفلسطينية خلال الأشهر الأخيرة، تخللتها جرائم حرق ونهب وتدمير للممتلكات، مؤكدة أن "السكوت الدولي يرقى إلى تواطؤ فعلي"، وطالبت بفرض عقوبات على المستوطنين المتورطين في الجرائم ومساءلة القادة الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية.
Published On 11/11/202511/11/2025
|آخر تحديث: 00:57 (توقيت مكة)آخر تحديث: 00:57 (توقيت مكة)

0 تعليق