هل تستطيع أوروبا مواجهة الحرب الهجينة مع روسيا؟ خبير عسكري يجيب - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العميد إلياس حنا إن أوروبا تواجه تحديا غير مسبوق في التعامل مع الحرب الهجينة التي باتت السمة الأبرز في المواجهة مع روسيا، موضحا أن هذا النمط من الصراعات يطمس الحدود بين الحرب والسلم ويحوّل كل المجالات إلى أدوات صراع محتملة.

وأوضح أن المفهوم الذي يعتمده العقل الروسي يقوم على مبدأ عسكرة كل شيء، بحيث لا يعود هناك فارق بين الحرب والسلام، مشيرا إلى أن هذا المفهوم يترجم في ممارسات تتراوح بين استخدام الطائرات المسيّرة مجهولة المصدر، وقطع الكابلات البحرية، والتلاعب في الفضاء المعلوماتي عبر حملات تضليل إعلامي منظمة.

وأشار إلى أن أوروبا استوعبت تدريجيا خطورة هذا النمط من المواجهات، فبدأت في بناء منظومات دفاعية متكاملة، أبرزها ما يُعرف بـ"صندوق الأدوات الهجينة" الذي يجمع الإمكانات والخبرات الأوروبية للتصدي للأساليب غير التقليدية، إلى جانب إنشاء خلايا لتنسيق حماية البنى التحتية الحيوية ومراقبة الحملات الإعلامية المعادية.

ويأتي ذلك في سياق أوسع من التوترات المتصاعدة بين حلف شمال الأطلسي (ناتو) وروسيا، حيث شهدت أوروبا خلال الأشهر الأخيرة سلسلة حوادث غامضة شملت اختراقات بطائرات مسيّرة وأعطالا في شبكات الاتصالات والغاز تحت البحر، وهي حوادث لم يُحدد مصدرها بعد، مما يعزز مخاوف الناتو من حرب غير معلنة تدور في الخفاء.

وأضاف العميد حنا أن الاتحاد الأوروبي أطلق أيضا صندوقا ماليا تحت اسم "سيف أوروبا للأمن"، تبلغ قيمته 150 مليار يورو، يمكن للدول الأعضاء الاستفادة منه لتعزيز قدراتها الدفاعية، مؤكدا أن هذا الصندوق يندرج ضمن خطة شاملة لإعادة ترميم البنية التحتية في الجبهة الشرقية من إستونيا حتى بولندا، بما يتيح تنفيذ المناورات العسكرية بشكل فعّال.

ورغم هذه الجهود، فإن حنا يرى أن القارة الأوروبية ما زالت تتحرك في إطار رد الفعل، لا الفعل، وأن إستراتيجياتها الدفاعية تحتاج إلى مزيد من التماسك والتنفيذ العملي ضمن خريطة الأمن الأوروبية الممتدة حتى عام 2030، مشددا على أن ما يجري حتى الآن هو في إطار "الردع عبر المنع"، لا المواجهة المباشرة.

إعلان

وفي الوقت الذي تتسع فيه رقعة الصراع إلى مجالات غير تقليدية، مثل الفضاء السيبراني والاقتصاد والإعلام، يشير خبراء الناتو إلى أن الهجمات الإلكترونية ارتفعت بنسبة 25% هذا العام مقارنة بعام 2024، في مؤشر على اتساع نطاق الحرب الهجينة واستهدافها البنى الحيوية في أوروبا الشرقية.

عنوان الحروب المستقبلية

ويؤكد العميد حنا أن الطائرات المسيّرة أصبحت عنوانا جديدا لهذه الحروب، إذ مثّلت الحرب الأوكرانية مختبرا حيّا لتطور قدراتها، خاصة مع إدماج الذكاء الاصطناعي في عملياتها.

لكنه يرى أن المرحلة المقبلة ستشهد سباقا لإنتاج أنظمة مضادة للمسيّرات، لافتا إلى أن الاتحاد الأوروبي بدأ مؤخرا اختبار نماذج أميركية الصنع في هذا المجال.

وحسب حنا، فإن مفهوم الحرب الهجينة في التفكير الروسي لا يقتصر على الأدوات التقنية، بل يشمل أيضا إعداد المسرح الإستراتيجي عبر مراحل متعددة يمكن إنكارها، بما يتيح لموسكو زرع الانقسام داخل أوروبا وحلف الناتو، وتحضير الأرضية لحرب تقليدية محتملة دون إعلان مسبق.

وفي هذا الإطار، تحدثت برلين مؤخرا عن نشاط غير مألوف لأقمار صناعية روسية تتعقب نظيراتها المدنية، بينما حذّر مسؤولون ألمان من قدرات روسية وصينية قادرة على تعطيل أو تدمير الأقمار الصناعية، الأمر الذي دفع الناتو إلى تعزيز قدراته الفضائية وتطوير شبكة أقمار "نورث لينك" الدفاعية في المدار القطبي.

ويضيف حنا أن أحد أخطر أبعاد الحرب الهجينة يتمثل في السيطرة على تدفق البيانات، موضحا أن نحو 90% من بيانات العالم تنتقل عبر كابلات بحرية، في حين أن 10% فقط تمر عبر الأقمار الصناعية، وهو ما يجعل هذه الكابلات هدفا إستراتيجيا.

ولفت إلى أن حادثة قطع الكابلات في بحر البلطيق شكّلت جرس إنذار دفع الحلف لإنشاء وحدة خاصة لحماية أمن الاتصالات البحرية.

أما في ما يتعلق بدور الولايات المتحدة، فيؤكد حنا أنها ليست بمعزل عن هذه الحرب، رغم بعدها الجغرافي، فهي تملك أكبر شبكة كابلات بحرية في العالم وتتحكم في جزء كبير من منظومة الأقمار الصناعية، مما يجعلها عرضة لهجمات إلكترونية أو تخريبية محتملة، بينما تسعى الصين في المقابل إلى بناء بنية تحتية رقمية مستقلة لحماية مصالحها.

ويخلص الخبير العسكري إلى أن الحرب الهجينة لم تعد مجرد مصطلح في الأدبيات الإستراتيجية، بل باتت واقعا يتشكل يوما بعد يوم، تتداخل فيه الأسلحة الصلبة مع الأدوات الناعمة في فضاء غير محدد المعالم، لتجد أوروبا نفسها اليوم أمام اختبار تاريخي لقدرتها على الصمود في مواجهة حرب بلا إعلان ولا خطوط حمراء.

0 تعليق