تواجه هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) ضغوطا سياسية وإعلامية متزايدة، بعد أن زعم مبلغ داخلي أن الهيئة قامت بـ"تعديل مضلل" و"تلاعب متعمد" في خطاب الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لجعله يبدو وكأنه شجع بشكل مباشر على أعمال الشغب في مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.
وتتهم الادعاءات، التي جاءت مفصلة في ملف من 19 صفحة حصلت عليه صحيفة "التلغراف" البريطانية، المؤسسة الإعلامية العريقة بخرق صارخ لمعاييرها التحريرية.
"بانوراما" في قلب العاصفة
يتركز الجدل حول حلقة خاصة من برنامج التحقيقات الشهير "بانوراما" (Panorama)، بعنوان "ترمب: فرصة ثانية؟"، والتي بثت في أكتوبر من العام الماضي (2024)، قبل أسبوع واحد فقط من الانتخابات الأمريكية.
ويزعم المبلغ، مايكل بريسكوت، أن البرنامج قام بدمج جزأين منفصلين تماما من خطاب ترمب في 6 يناير، وجمع جملا قيلت بفارق 40 دقيقة تقريبا، لتقديم رواية محددة.
التلاعب المزعوم: حذف "بسلام" وإبراز "القتال"
وفقا للملف، فإن التعديل المثير للجدل جعل ترمب يبدو وكأنه يقول: "سنسير إلى الكابيتول وسأكون معكم ونقاتل. نقاتل بكل قوة وإذا لم تقاتلوا بكل قوة، فلن يكون لديكم بلد بعد الآن".
لكن في الخطاب الأصلي، كان ترمب قد حث جمهوره (بعد 15 دقيقة من بدء الخطاب) على "إسماع أصواتكم بسلام ووطنية".
أما تعليق "القتال بكل قوة" (fight like hell)، فقد جاء في سياق مختلف تماما بعد 40 دقيقة تقريبا من بدء الخطاب.
ويزعم بريسكوت أن النسخة المعدلة "جعلت الرئيس الأمريكي 'يقول' أشياء لم يقلها في الواقع".
كما تضمن الفيلم الوثائقي، بحسب الملف، لقطات لأنصار ترمب وهم يسيرون نحو الكابيتول تم تصويرها قبل أن يبدأ الرئيس في الكلام، مما خلق ما وصفه بريسكوت بـ"جدول زمني مشوه" أوحى كذبا بأن كلمات ترمب هي التي أثارت المسيرة الفورية.
تجاهل داخلي ورد فعل سياسي عنيف
ويزعم الملف المسرب أن هيئة الرقابة الداخلية الخاصة بـ"بي بي سي" أثارت "مخاوف جدية" بشأن الحلقة، لكن كبار المديرين التنفيذيين، بمن فيهم المدير العام تيم ديفي والرئيس سمير شاه ورئيسة قسم الأخبار ديبورا تيرنر، "رفضوا الاعتراف" بأي خرق للمعايير.
وكتب بريسكوت متسائلا: "إذا كان سيسمح لصحفيي بي بي سي بتعديل الفيديو لجعل الناس 'يقولون' أشياء لم يقولوها قط، فما قيمة إرشادات المؤسسة؟".
وأثارت هذه الاكتشافات غضبا سياسيا واسعا:
بوريس جونسون: وصف رئيس الوزراء السابق الوضع بأنه "وصمة عار كاملة"، وكتب على منصة "إكس" أن "هيئة الإذاعة الوطنية البريطانية استخدمت برنامجا رائدا لترويج أكاذيب واضحة حول أقرب حليف لبريطانيا".
نايجل هدلستون: قال وزير الثقافة في حكومة الظل إن هذه الاكتشافات "يمكن أن تقوض بشكل خطير علامة بي بي سي وسمعتها"، واصفا إياها بـ"التلاعب المتعمد".
دونالد ترمب جونيور: أعاد نشر القصة، متهما "بي بي سي" بأنها "غير أمينة ومليئة بالهراء تماما مثل تلك الموجودة هنا في أمريكا".
دعوات للمساءلة
وطالب المشرعون المحافظون بإجراء تحقيق رسمي. وقالت كارولين دينناج، رئيسة لجنة الثقافة والإعلام والرياضة في مجلس العموم، إن هذه الادعاءات تأتي "في وقت حرج لـ بي بي سي"، مؤكدة أن لجنتها ستناقش القضية.
وردا على الفضيحة، قال متحدث باسم "بي بي سي" في بيان مقتضب: "بينما لا نعلق على الوثائق المسربة، فعندما تتلقى بي بي سي ملاحظات، فإنها تأخذها على محمل الجد وتدرسها بعناية".
ومع اقتراب موعد تجديد الميثاق الملكي للمؤسسة في عام 2027، قد يكون للفضيحة تداعيات بعيدة المدى على تمويل "بي بي سي" ومصداقيتها في المستقبل.

0 تعليق