يشعر عدد كبير من المصابين بـ"متلازمة القولون العصبي" (IBS) بالخجل من الحديث عن حالتهم، في ظل ما يواجهونه من نظرة مجتمعية سلبية، أو حتى شك من بعض الأطباء الذين قد يصفون الأعراض بأنها "نفسية" أو "وهمية"، رغم أنها تؤثر بشكل حقيقي على جودة الحياة اليومية للمريض.
هذا الشعور بالرفض أو عدم الفهم يدفع بعض المرضى إلى البحث عن حلول بديلة على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تنتشر وصفات غذائية وتجريبية غير مستندة إلى دراسات علمية أو إشراف طبي، ما قد يؤدي إلى تفاقم الأعراض أو اختلالات غذائية خطيرة.
وتعد متلازمة القولون العصبي واحدة من أكثر اضطرابات الجهاز الهضمي شيوعا حول العالم، إذ تشير التقديرات إلى إصابة ما يقارب 10 إلى 15% من البالغين بدرجات متفاوتة منها، وتتميز بأعراض متقطعة ومزعجة تتراوح بين الانتفاخ، الغازات، الألم المتكرر، وتغير نمط الإخراج بين الإسهال والإمساك.
اضطراب في "محور الدماغ والأمعاء"
توضح الدكتورة لورين مانينغ، المحاضرة في علم التغذية البشرية بجامعة لا تروب الأسترالية، في مقابلة مع صحيفة "الإندبندنت"، أن المتلازمة تعتبر "اضطرابا معقدا" في التواصل بين الدماغ والجهاز الهضمي، يعرف علميا باسم محور الدماغ والأمعاء.
هذا المحور العصبي يشبه "طريقا ذا اتجاهين" ينقل الإشارات بين الجهاز العصبي المركزي والجهاز الهضمي، وأي خلل فيه قد يؤدي إلى استجابات مبالغ فيها داخل الأمعاء.
وتشير مانينغ إلى أن المصابين بهذه الحالة يعانون من "تغيرات في حركة الأمعاء"، إذ تصبح الاستجابات العصبية والهضمية غير متوقعة. فقد يتحول الإخراج فجأة من إمساك شديد إلى إسهال متكرر، فيما يعاني آخرون من تقلصات حادة في البطن، إرهاق مزمن، واضطرابات في النوم.
وتضيف أن التوتر والضغوط النفسية اليومية تعد من أبرز العوامل التي تحدث خللا في هذا المحور، ما يجعل الأمعاء أكثر حساسية للمؤثرات الخارجية كأنواع الطعام أو المجهود الذهني.
لماذا النساء أكثر عرضة للإصابة؟
تشير الدراسات الحديثة إلى أن النساء أكثر عرضة للإصابة بمتلازمة القولون العصبي بمرتين مقارنة بالرجال، وغالبا ما تبدأ الأعراض بالظهور في مرحلة الشباب، تحديدا بين سن 18 و39 عاما.
وتفسر الدكتورة مانينغ هذا الفارق الكبير بوجود اختلافات هرمونية جوهرية بين الجنسين.
فهرمون التستوستيرون الذي يهيمن لدى الرجال يعتقد أنه يمنح "تأثيرا وقائيا" ضد اضطرابات الأمعاء، بينما لدى النساء فإن ارتفاع مستويات الإستروجين والبروجسترون، ثم انخفاضها في مراحل معينة من الدورة الشهرية، يؤدي إلى زيادة حساسية الجهاز الهضمي، وتفاقم الأعراض في فترات محددة من الشهر.
وتوضح مانينغ أن هذه الهرمونات تؤثر على "حركة الأمعاء" وسرعة مرور الطعام داخلها، كما تؤثر في انقباض العضلات الملساء المسؤولة عن عملية الهضم، ما يفسر الشعور بالألم أو التقلصات الحادة لدى بعض النساء، إضافة إلى الانتفاخ وعدم الارتياح بعد تناول الطعام.
تفاقم الأعراض خلال الحيض
تدعم الأبحاث الطبية هذه الملاحظة، إذ تظهر أن الأعراض تزداد سوءا خلال فترة الحيض، وهي المرحلة التي ينخفض فيها مستوى الإستروجين والبروجسترون إلى أدنى حدودهما.
وخلال هذه الفترة، تعاني كثير من النساء من اضطرابات مزاجية ونفسية مترافقة مع اضطرابات هضمية، مما يجعل التعامل مع المتلازمة أكثر صعوبة.
وتشير تقارير طبية إلى أن النساء المصابات بحالات أخرى مرتبطة بالهرمونات مثل الانتباذ البطاني الرحمي أو متلازمة تكيس المبايض، أكثر عرضة لتطور أعراض القولون العصبي بدرجة شديدة، بسبب التداخل في التأثيرات الهرمونية والالتهابية بين هذه الحالات.
البحث عن العلاج في "السوشيال ميديا"
ورغم تزايد الوعي بالمشكلة، إلا أن العديد من المصابين ما زالوا يواجهون صعوبة في الحصول على تشخيص دقيق أو متابعة طبية فعالة.
ونتيجة لذلك، تنتشر عبر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي نصائح غذائية ووصفات "طبيعية" يروج لها على أنها حلول سحرية، مثل الامتناع التام عن الغلوتين أو تناول أعشاب معينة بشكل مفرط.
غير أن الأطباء يحذرون من خطورة الاعتماد على هذه الوصفات دون إشراف مختص، مشيرين إلى أن العلاج الأكثر فعالية عادة ما يكون مزيجا من التعديلات الغذائية المدروسة، وتقنيات إدارة التوتر، والمتابعة الطبية المنتظمة.
وتخلص الدكتورة مانينغ إلى أن "القولون العصبي ليس وهما نفسيا، بل اضطراب في التواصل بين الدماغ والأمعاء، يحتاج إلى فهم أعمق من الأطباء والمجتمع"، مؤكدة أن تمكين المرضى من الحديث عن أعراضهم دون خجل، وتقديم الدعم النفسي والعلاجي المناسب، هو الطريق الأهم لتحسين جودة حياتهم.

0 تعليق