أسرى محررون يروون للجزيرة نت شهادات العودة من الموت - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

غزة- في واحدة من أوجع حكايا الأسرى المحررين في صفقة التبادل قبل أيام، تنفس الأسير محمود أبو فول الحرية لكنه لم يرها، حيث خرج من سجون الاحتلال الإسرائيلي لا يحمل سوى آثار التعذيب على جسده، وعينين مطفأتين إلى الأبد.

خرج الشاب العشريني إلى النور دون أن يعرفه، وعانق والدته دون أن يبصر وجهها، حرّ لكن بألم مقيم، على كرسي متحرك، بقدم واحدة وبصر مفقود وذاكرة مثقلة.

فقد أبو فول بصره في غرف التحقيق بعد أن لفق له ضباط المخابرات تهما لا صلة له بها، ويقول للجزيرة نت "طلبوا مني أن أعترف بتهم لا أساس لها من الصحة، وعندما رفضت انهالوا على رأسي ضربا حتى فقدت الوعي، ولما أفقت حاولت فتح عينيّ مرارا، لكنني لم أرَ شيئا، كل شيء كان أسود، فأدركت أني صرت أعمى".

تعذيب جسدي ونفسي

لم يتوقف تعذيبه الجسدي والنفسي عند ذلك، ففي أقبية التحقيق أيضا كسر الضابط عموده الفقري وعظام قفصه الصدري، وحُرم من العلاج والجراحة اللازمين حتى تدهورت حالته الصحية، لتضيف إسرائيل لجسده خسارة جديدة، كان أولها ساقه المبتورة التي فقدها قبل سنوات في عدوان سابق على غزة.

لم يصدّق كلام السجان بأن اسمه ضمن قوائم الأسرى المقرر الإفراج عنهم، فظنها إحدى خدع التحقيق تماما ككذبة تصفية عائلته التي أخبره بها المحقق ونفاها له أحد الأسرى الذين وصلوا إلى السجن مؤخرا، لكن رجاء واحدا كان يجتاح تفكيره "ليتني أستعيد بصري للحظة فقط لأراهم".

وبينما خرج أبو فول لا يرى أحدا، كان الأسير المحرر ناجي الجعفراوي يُبصر كل شيء إلا ما كان يتوق لرؤيته، فقد خرج ليبحث عن وجه شقيقه الصحفي الشهيد صالح الجعفراوي، ليباغته أحدهم وهو يهمّ بالنزول من الحافلة عقب وصوله إلى مجمع ناصر الطبي جنوب القطاع بأنه "استُشهد قبل ساعات".

يقول الجعفراوي "كنت أتفحص وجوه حاملي الكاميرات، وكنت متأكدا أن وجه صالح سيكون أول من أراه من أحبتي، لكنني لم أتوقع أن أصطدم بفقده الذي أنساني فرحة الإفراج"، ليتقاطع عرس ميلاد حريته مع عزاءٍ لم يمهله حتى نظرة الوداع.

إعلان

ويضيف أن الأسرى الذين دخلوا السجن مؤخرا كانوا يحدثونه عن شقيقه وتأثيره على وسائل التواصل الاجتماعي، وعن وصوله للمليونية وبلوغ صوته للعالم ونجاحه في فضح الاحتلال وجرائمه، مما كان يُسليه ويخفف عنه ألم السجن، ويزيد من شوقه لرؤيته وعناقه.

الأسير المحرر ناجي الجعفراوي الذي كان بين ميلاد حرّيته ودفن أخيه ساعة، والذي حوّل السجن إلى مقرأة من نور
الأسير المحرر ناجي الجعفراوي كان بين ميلاد حريته ودفن أخيه الشهيد صالح ساعة (الجزيرة)

إصرار الأسرى

وفي إضاءة على زاوية من السجن المعتم، يحدّث الجعفراوي الجزيرة نت عن إصرار الأسرى وتطويعهم فترة أسرهم بما يخفف عنهم ثقل الوقت، فقد حولوا زنازينهم إلى "مقرأة من نور" بدلا من أن تكون قبرا مظلما، "فانتصرت إرادتهم على إرادة السجان"، حيث تمكن أسرى غزة في أقسامهم من تحويل المحنة إلى منحة، خلسة وبالخفاء، فحوّلوا جدران السجن إلى قرآن مفتوح.

ويشرح "كان لدينا مرهم طبي نستخدمه في علاج الجرب، وكنا نكتب بطرفه المدبب على جدران المعتقل سوَرا من القرآن الكريم، ويلتزم باقي الأسرى بحفظها".

أُسر الجعفراوي 20 شهرا وكان له دور كبير خلالها في منح الأسرى إجازة الإقراء بالسند المتصل عن النبي، وتقديم دورات فقهية في غرف السجن، ويقول "لم أكن وحدي، ففي كل غرفة كان هناك أسرى يشحذ بعضهم همم بعض لتدارس القرآن، فالوقت في السجن طويل، والانغماس في هذه المتعة كان ينسينا همومه". ويشير إلى أن كل هذه الأمور كانت تتم في الخفاء، وأن اكتشافها من قبل الجنود كان يعرّضهم لعقوبات قاسية ومؤلمة.

عقاب وأهوال عاشها الأسرى تحدث عنها للجزيرة نت الأسير المحرر عماد الإفرنجي المشهور في غزة بـ "كبير الصحفيين"، الذي لم تشفع له سنه التي تجاوزت الـ50، ولا نحول جسده أمام الجنود ليتركوه وشأنه.

"أين كنت يوم السابع من أكتوبر؟ هل تناولتم الحلويات حينها؟"، أول سؤالين كان يوجههما جنود الاحتلال للتحقيق مع المحتجزين والمرضى الذين كانوا في مجمع الشفاء الطبي قبل اقتيادهم إلى معسكرات الاعتقال، بحسب الإفرنجي، الذي تحدّث عن أقسى مرحلة مر بها الأسرى حين كانوا في سجن سدي تيمان المعروف بالعربية بأنه "معسكر قهر الرجال".

الأسير المحرر الصحفي عماد الإفرنجي والملقب بكبير الصحفيين في غزة
الأسير المحرر الصحفي عماد الإفرنجي: نحن عائدون من جهنم حرفيا (الجزيرة)

"عائدون من جهنم"

ويقول إن أصعب ما كان فيه هو "قمعة الكلاب"، حيث يُجمع الأسرى في مكان ضيق مسيج، معصوبي الأعين ومكبلي الأيدي ويُؤمرون بالنوم على بطونهم، ثم يبدأ الجنود المدججون بالسلاح والكلاب بالمشي على ظهورهم، ويتابع "هذا هو الأكثر رعبا، أن يسيل لعاب الكلب على أحدنا ويتبوّل على الآخر"، ثم ينتقون 3 من الأسرى عشوائيا يهشمون عظامهم ثم ينصرفون.

يعود الإفرنجي بالذاكرة وهو يسرد هذه التفاصيل الموجعة ثم يضيف متنهدا "نحن عائدون من جهنم حرفيا، وليس أصعب من الموت إلا أنه كان متوقعا في أية لحظة بأشنع الطرق".

ويذكر شهادته على ما حصل مؤخرا مع أسير يدعى إسلام السرساوي اتهمته مجندة بسبّها زورا، فاقتاده الجنود إلى قفص حديدي وعزلوه فيه، ثم تناوبوا على ضربه، كما استمروا في إعطائه حبوبا زعموا أنها مسكنات علاجية، ليفقد على إثرها حياته بعد أيام.

ولفت إلى أن الزنازين تضج بالصحفيين، مما يؤكد خشية إسرائيل من حرب الرواية الفلسطينية، ويذكر من ذلك التحقيق معه على مقابلة كان قد أجراها مع رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة الشهيد يحيى السنوار حين أفرج عنه في صفقة وفاء الأحرار عام 2011.

إعلان

ويختم مؤكدا "نحن خرجنا من السجن أكثر إيمانا بقضيتنا، وأكثر عنادا بمفاعيل الكلمة في هذا العالم"، داعيا الصحفيين إلى الاستمرار في التوثيق والتأريخ لكل محطات وتفاصيل "المسلسل الوحشي الذي سينتصر فيه المظلوم حتما".

0 تعليق