كتب محمد الجمل:
رصدت "الأيام" مجموعة جديدة من المشاهد من قطاع غزة، في اليوم السادس من بدء تطبيق اتفاق التهدئة، وركزت على أوضاع النازحين، خاصة سكان مدينة رفح، ممن يتوقون للعودة إليها.
ومن أبرز المشاهد، التي رصدتها "الأيام"، مشهد يرصد الاستقبال الحافل للأسرى المحررين جنوب القطاع، ومشهد آخر بعنوان "أهالي رفح يترقبون"، ومشهد ثالث يوثّق ما وصل إليه القطاع الصحي بغزة من تدهور جراء العدوان، واستهداف المشافي، ومنع وصول المستلزمات الطبية.
استقبال حافل للأسرى
حظي الأسرى المحررون لدى وصولهم للقطاع باستقبال شعبي ورسمي حافل، وسط فرحة كبيرة، وأجواء احتفالية.
ووصلت حافلات الأسرى القادمة من معبر كرم أبو سالم، جنوب شرقي مدينة رفح، إلى مجمع ناصر الطبي بمحافظة خان يونس، حيث خضع الأسرى لفحوصات طبية للاطمئنان على صحتهم، ثم وصلوا إلى منصة استقبال أقيمت خصيصاً على شرفهم، وكان في استقبالهم حشد كبير من المواطنين، ممن رددوا هتافات تحية لهم، وللمقاومة، ولسكان القطاع، ممن صمدوا طوال العامين الماضيين.
وقبل وصولهم المستشفى لوّح الأسرى بأيديهم من نوافذ الحافلات، وكانوا يرتدون الكوفية الفلسطينية، وبدت الفرحة واضحة على وجوههم بعد تحررهم.
وكان في استقبال الأسرى وعلى رأسهم الطواقم الطبية ممن جرى اعتقالهم من القطاع، مدراء مشافٍ، ومسؤولون في وزارة الصحة بغزة.
وعبّر مواطنون عن فرحتهم بتحرر الأسرى، مؤكدين أن ما حدث ورغم التضحيات يعتبر إنجازاً كبيراً، فتحرر هذا العدد الكبير من الأسرى، خاصة ذوي المحكوميات العالية، أمر يستحق الاحتفال.
وقال المواطن نضال عيد: إن الفرحة التي يعيشها سكان القطاع أصبحت فرحتين، الأولى بتوقف العدوان، والثانية بتحرر الأسرى، معرباً عن سعادته بهذا المشهد المهيب، حيث يعتلي الأسرى المنصة، يحيط بهم عشرات آلاف المواطنين.
وأكد عيد، وهو من سكان مدينة رفح، أنه انتظر هذه اللحظة لعامين كاملَين، حين تقف الحرب ويتحرر الأسرى، ورغم أنه لا تربطه علاقة قرابة بأي من الأسرى، إلا أنه سعيد برؤيتهم أحراراً، بعد سنوات وعقود قضوها خلف القضبان، من أجل وطنهم وقضيتهم، تعرضوا خلالها لكل أشكال البطش والتنكيل، وقد جاء لمشاركتهم هذه الفرحة.
في حين أكد أسرى محررون أن فرحتهم تبقى منقوصة، كونهم تركوا خلفهم آلاف الأسرى قابعين في سجون الاحتلال، ينتظرون تحررهم، وعلى رأسهم عمداء الحركة الأسيرة من الأسرى القدماء.
وتمنى مواطنون أن يحتفلوا بتبييض السجون الإسرائيلية من الأسرى، لكن دون أن يتم ذلك ضمن حرب كالتي شهدها قطاع غزة.
أهالي رفح يترقبون
يعيش النازحون من مدينة رفح، والمقيمون في مواصي خان يونس، ووسط القطاع، حالة من الانتظار والترقب لبدء تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق، التي ستتيح لنصف سكان المدينة العودة لبيوتهم.
وبعد الانتهاء من تسليم دفعات الأسرى الإسرائيليين، وتحرر الأسرى الفلسطينيين، زادت آمال المواطنين بسرعة إتمام المرحلة الثانية، حيث غالبية سكان المدينة على أمل تطبيقها.
وأكد المواطن أحمد أبو غالي، من سكان المدينة، أنه يعيش على أمل العودة لرفح، حتى وإن كانت مدمرة، فهو يشتاق لمدينته وترابها.
وبيّن أنه، وفق آخر صور أقمار اصطناعية شاهدها، كان منزله مدمراً، لكنه رغم ذلك يرغب بالعودة للحيّ الذي يقيم فيه، فسيرفع الأنقاض، ويقيم خيمة على أنقاض بيته.
وأشار إلى أنه شعر بالحزن والحسرة بعد أن علم أن مدينة رفح بالكامل خارج المرحلة الأولى، ولا يعلم متى سيتم تنفيذ المرحلة الثانية لكنه ينتظرها بفارغ الصبر.
ولم يستطع الكثير من المواطنين الصبر، وغامروا بالتوجه لمدينة رفح رغم الخطر، وبعضهم نجحوا في ذلك، وآخرون جرى استهدافهم داخل رفح، وعند مداخلها، كما حدث في حي تل السلطان قبل يومين، وأسفر ذلك عن سقوط شهداء وجرحى.
في حين أكد المواطن حسام طه أنه يتابع الأخبار، وتطورات الصفقة، وينتظر بفارغ الصبر أن يقرأ خبراً حول البدء بتنفيذ المرحلة الثانية من الانسحاب الإسرائيلي من القطاع.
وأشار إلى أنه عاد لمنزله شمال رفح خلال التهدئة الماضية، وعاش في المنزل نحو شهرين، قبل أن يضطر لتركه بعد إصدار أوامر إخلاء نهاية آذار الماضي، ومنذ ذلك الوقت وهو نازح في خان يونس، لا يعلم عن منزله شيئاً.
وأكد أن الحياة في مواصي خان يونس صعبة، فهي منطقة باردة ليلاً حارة نهاراً، وبسبب قربها من البحر تعتبر من المناطق الرطبة غير الصحية، عدا أنها منطقة فقيرة بالخدمات، ومكتظة بالنازحين.
وأشار إلى أن غالبية النازحين من مدينة رفح يخططون للعودة إلى المدينة، وإقامة مخيمات هناك، كل مخيم يضم إما عائلة كبيرة "حمولة"، أو سكان منطقة واحدة، بحيث يعيش الناس حياة النزوح في مناطقهم، ووسط أناس يعرفونهم، وعاشوا معهم سنوات طويلة في السابق.
القطاع الصحي على شفير الهاوية
على الرغم من مرور نحو أسبوع على بدء تطبيق اتفاق التهدئة، وتوقف القصف والغارات بشكل فعلي، إلا أن القطاع الصحي في غزة يواجه معيقات كبيرة، ولا تزال المشافي التي تعمل تتعرض لضغط كبير، وتعاني نقصاً شديداً في كل شيء.
ووفق مدير عام المستشفيات في وزارة الصحة بغزة، الدكتور محمد زقوت، فإن تحديات كبيرة وكارثية تُسيطر على عمل القطاع الصحي، وهناك الآلاف من المرضى يتكدسون فيما تبقى من مستشفيات عاملة، حيث بلغت السعة السريرية 250%، في ظل تفاقم أزمة نقص الأدوية والمستهلكات الطبية، حيث وصلت نسبة الأصناف الصفرية من الأدوية إلى أكثر من 60%، والمستلزمات المخبرية إلى 70%.
وأكد أن الاحتلال تعمد تدمير المستشفيات ومراكز الرعاية الأولية، خاصة خلال عدوانه الأخير على مدينة غزة، ومن بينها مستشفى الأطفال التخصصي الوحيد في المدينة والذي يقدم خدمات حيوية، حيث قام الاحتلال بتدمير أقسام حيوية كحضانة الأطفال، والعناية المركزة، ومحطة الأكسجين.
وأكد أن ترميم المستشفى بحاجة إلى وقت وجهد كبيرَين، وغيرها من المستشفيات التي خرجت عن الخدمة.
وأوضح زقوت أن المستشفيات الرئيسية شمال وجنوب القطاع تم إخراجها عن الخدمة، كالمستشفى الإندونيسي، وغزة الأوروبي.
وأوضح أن حاجة المرضى كبيرة جداً إلى هذه المستشفيات، خاصة مرضى السرطان والقلب والكلى، وكذلك رعاية الحوامل والأطفال حديثي الولادة.
وأكد أن الكثير من المرضى والجرحى في القطاع بحاجة عاجلة إلى أماكن مؤهلة لتقديم الرعاية الصحية لهم.
وأشار زقوت إلى أن المؤسسات الدولية تُحاول منذ أشهر إدخال الإمدادات الطبية التي تنتظر على المعابر، إلى جانب أجهزة الأشعة التشخيصية والتي تعتبر جزءاً مهماً جداً لإتمام التدخلات الطارئة للجرحى والمرضى، موضحاً أنه حتى الآن لم يصل إلى مستشفيات القطاع والمستودعات أي من الإمدادات العاجلة والمتوقع دخولها يوم غد والأيام القادمة.
وأكد أن الكوادر الطبية تعمل في ظروف كارثية، ومستنزفة، على مدار عامين، وتعرضت إلى معاناة النزوح المتكرر وفقدهم لذويهم وأبنائهم.
وأشار زقوت إلى أن هناك 1701 من الكوادر الطبية استشهدوا خلال الحرب، منهم 320 طبيباً من الاستشاريين والتخصصات والتمريض والكوادر الإدارية، وهذه خسارة كبيرة تتطلب وقتاً كبيراً لتعويضها، ما يستدعي إدخالاً عاجلاً للوفود الطبية وتسريع وتيرة سفر المرضى والجرحى للعلاج بالخارج.
0 تعليق