عاجل

"بلير العرب".. من دمار العراق إلى "غيتا" غزة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

50 مسؤولا بريطانيا توقعوا فشل بلير في مهمته بالعراق قبل سنوات و المراقبون الغربيون يشكون بنجاح مهمته المقبلة في غزة(الجزيرة)

50 مسؤولا بريطانيا توقعوا فشل بلير في مهمته بالعراق قبل سنوات و المراقبون الغربيون يشكون بنجاح مهمته المقبلة في غزة(الجزيرة)

لم يفت الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن يثني على رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير، وهو يعرض في 29 سبتمبر/أيلول الماضي في البيت الأبيض إلى جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخطوط العريضة لخطة تنص على إنشاء هيئة رقابية دولية تُسمى "مجلس السلام"، يترأسها ترامب نفسه ويكون معه بلير عضوًا، وسيعمل المجلس على مراقبة اللجنة الفلسطينية التكنوقراطية وغير السياسية التي ستتولى حكم القطاع بعد إزاحة حركة حماس عن المشهد.

وخلال ذلك العرض أشاد ترامب ببلير ووصفه بأنه "رجل طيب". وقد بادر بلير، من جانبه، إلى التعليق سريعا على تلك الخطة ووصفها في بيان نشر على حساب "معهد توني بلير للتغيير العالمي" على منصة "إكس" بأنها "جريئة وذكية" وتمثل "أفضل فرصة لإنهاء عامين من الحرب والمعاناة والألم".

وجاء الإطراء على بلير بعد نحو شهر على اجتماع خاص عقد في البيت الأبيض يوم 27 أغسطس/آب الماضي ترأسه ترامب وضم مسؤولين أميركيين آخرين وكلا من بلير وجاريد كوشنير (صهر ترامب) ومبعوثين إسرائيليين، وتم خلاله بحث خطة لإدارة "اليوم التالي" في غزة.

إثر ذلك الاجتماع راجت في وسائل الإعلام الدولية أنباء على خطة بلورها بلير لإدارة مرحلة ما بعد إنهاء الحرب في قطاع غزة، يلعب فيها دور المشرف المؤقت على القطاع حيث سيترأس هيئة باسم "الهيئة الدولية الانتقالية لغزة" "غيتا" (Gaza International Transitional Authority, GITA).

ما طبيعة هذه الهيئة ؟ وما دور بلير فيها ؟ وهل يتيح إرثه في العراق  وفي "الرباعية الدولية" في التعويل على دور حيادي في إعادة إعمار غزة إثر التدمير غير المسبوق الذي أحدثه الغزو الإسرائيلي فيها؟

كشفت مجلة إيكونوميست البريطانية أن هذه الهيئة كان يفترض أن تعمل بموجب تفويض أممي لمدة 5 سنوات، يديرها مجلس من 7 أشخاص وأمانة تنفيذية صغيرة، على أن تتحمل دول خليجية تكاليفها.

أما بخصوص دور بلير في "غيتا"، فيتوقع ديفيد إيغناسيوس -وهو من كتاب الرأي البارزين في صحيفة واشنطن بوست- أن يكون بمثابة الرجل الثاني في المجلس بدرجة رئيس تنفيذي.

تسمية "غيتا" أعادت إلى الأذهان تجربة "سلطة التحالف الدولي المؤقتة" في العراق التي قادها الدبلوماسي الأميركي بول بريمر بين عامي 2003 و2004 عقب الغزو الأميركي، والتي أسهمت في تفكك مؤسسات البلاد ودخولها في دوامة من العنف والصراع المذهبي والانقسام السياسي.

epa12416928 US President Donald Trump speaks to reporters as he departs the White House for a meeting with military leaders at Quantico Marine Base in Washington, DC, USA, 30 September 2025. The president answered questions about the gathering, saying 'We have our real warriors over there. And when they're not good, when we don't think they're our warriors, you know what happened? We say you're fired.' EPA/JIM LO SCALZO
الخطة المرتبطة بتوني بلير أقرب لتصورات ترامب (الأوروبية)

وتفاعلا مع تلك الأنباء أبدى قطاع واسع من الفلسطينيين مخاوف من أن تتحول "غيتا" إلى شكل جديد من الاحتلال الدولي، بالنظر للتاريخ الاستعماري البريطاني في فلسطين، وسجل بلير السيئ في التعاطي مع أزمات المنطقة.

لكن تبين لاحقا أن الخطة المنسوبة إلى بلير لم تكن الوحيدة المطروحة للنقاش، لكنها كانت ربما هي الأقرب إلى تصورات ترامب، وربما منها استوحى بعض محددات الرؤية التي عرضها يوم 29 سبتمبر/أيلول الماضي، والتي سيكون بلير أحد المكلفين بتفعيلها من موقعه عضوا في "مجلس السلام" برئاسة ترامب.

بديل الشيطان

منذ انتشار الأنباء عن مشاركته في اجتماع البيت الأبيض، احتدم الجدل على نطاق واسع في الإعلام العربي ومنصات التواصل الاجتماعي بشأن بلير، ودوره المحتمل في "اليوم التالي" بعد الحرب. وجاهرت أطراف كثيرة برفضها المطلق لأي دور يمكن أن يلعبه مجددا بعد الإخفاقات التي راكمها في أكثر من ملف إقليمي.

وقد بدأ اسم بلير يطفو على السطح منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وفي مطلع عام 2024 تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن تعيينه مسؤولا عن ملف تهجير الفلسطينيين من غزة، مما أثار غضبا واستنكارا واسعين على المستويين الشعبي والرسمي.

وفي واحد من أعنف التعليقات على عودة بلير للمشهد الإقليمي، انتقدت الصحفية البريطانية آش ساركار في مقابلة مع قناة "بي بي سي" قرار دعوة بلير للمشاركة في مشاورات البيت الأبيض بشأن غزة، وقالت إن السبب في استدعائه هو أن "الشيطان كان منشغلا في ذلك الوقت".

وانصبت جل الانتقادات الموجهة لبلير إلى دوره السلبي خلال توليه لمدة ثماني سنوات (2007-2015) مهام مبعوث اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا) التي كانت وضعت "خارطة طريق" لإقامة دولة فلسطينية في أفق تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.

بلير مشاركا في اجتماع للجنة الرباعية الدولية مع مندوبين إسرائيليين وفلسطينيين خلال الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر/أيلول 2013 (الفرنسية)

بلير مشاركا في اجتماع للجنة الرباعية الدولية مع مندوبين إسرائيليين وفلسطينيين خلال الدورة الـ68 للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 27 سبتمبر/أيلول 2013 (الفرنسية)

ويرى كثيرون أن بلير لم يحقق شيئا ذا بال، بل أخفق في تحقيق أي اختراق يناسب الهالة التي تحيط بشخصه من منظور غربي. وفي تقييمه لأداء بلير في تلك المهمة، قال الخبير في شؤون الشرق الأوسط بمركز جنيف لسياسات الأمن نومي بار يعقوب "لقد فشل فشلا ذريعا خلال السنوات العديدة التي شغل فيها منصب المبعوث الخاص للرباعية. لم يحقق أي إنجاز يُذكر".

وفي نظر الفلسطينيين وباقي العرب، فإن الرجل لم يحد عن الانحياز الغربي إلى إسرائيل، وأهم ما يتذكره أهل غزة من تلك السنوات الطوال هو أن القطاع تعرض خلالها لأربع حروب إسرائيلية، من أكثرها دموية عملية "الرصاص المصبوب/ معركة الفرقان" أواخر عام 2008 وبداية عام 2009، وكان الهدف منها "إنهاء حكم حركة حماس في القطاع".

وورد في تقارير إعلامية كثيرة أن بلير لم يكن متفرغا بالكامل لمهمته الأممية من أجل إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل فضّل التركيز على مهامه الاستشارية ومحاضراته المربحة حول العالم.

US-led economic conference in Bahrain- - MANAMA, BAHREIN - JUNE 26: Former British Prime Minister Tony Blair (R) and Jared Kushner (L), U.S. President Donald Trump’s senior White House adviser and son-in-law attend U.S.-led workshop in Manama, Bahrain on June 26, 2019. U.S.-led conference opened in Bahrain on Tuesday, during which U.S. officials are expected to unveil the economic portion of the American back-channel Middle East peace plan known as
بلير وجاريد كوشنر (يسار) صهر ترامب خلال مؤتمر اقتصادي بالبحرين عام 2019 (وكالة الأناضول)

وحسب صحيفة لوموند، فإن بلير "يمزج بين الدبلوماسية والعمل الخيري والأعمال التجارية المربحة"، ويملك 12 كيانا قانونيا جنَت له ما يقارب 90 مليون دولار بين 2007 و2013.

وبذلك الدور السلبي في القضية، كان بلير يختزل في نظر أهل المنطقة فصولا طويلة من التورط البريطاني في المأساة الفلسطينية تجسد خصوصا في اتفاقية سايكس بيكو التي قسمت المنطقة، وفي وعد بلفور الذي مهد الطريق لإقامة المشروع الصهيوني، وفي شخصية لورنس العرب الذي تلاعب بأنظمة المنطقة وأسهم في خروج العثمانيين منها.

"مجرم حرب"

قبل أن يتولى الوساطة في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني عام 2007 زمن الرباعية الدولية، كان بلير يجر خلفه تركة سياسية ثقيلة على خلفية تحالفه الأعمى مع إدارة الرئيس الأميركي جورج بوش لغزو العراق عام 2003 بذريعة امتلاكه برنامج أسلحة دمار شامل، الأمر الذي تبين لاحقا أنه مجرد ادعاء.

وبسبب ذلك الدور أصبح بلير في نظر الكثيرين في الشرق والغرب "مجرم حرب"، لأن غزو العراق أدى لاندلاع حرب متعددة الجبهات، وأغرق البلاد في حالة فوضى عارمة، وأدخلها في سنوات من العنف الطائفي والتدخل الأجنبي، مما تسبب في مقتل مئات الآلاف من العراقيين، بالإضافة إلى أكثر من 4000 جندي أميركي و179 جنديا بريطانيًّا.

وعندما كان على وشك التخلي عن رئاسة الوزراء عام 2007، اعترف بلير بخطيئته، وقال في حوار تلفزيوني مع الصحفي الأميركي فريد زكريا "أعتذر عن حقيقة أن المعلومات الاستخباراتية التي تلقيناها كانت خاطئة، فرغم أنه (صدام حسين) استخدم الأسلحة الكيميائية على نطاق واسع ضد شعبه وضد الآخرين، فإن البرنامج الذي كنا نعتقد أنه موجود لم يكن على النحو الذي كنا نتصوره".

FILE - In this file photo dated Thursday, July 30, 2009, John Chilcot, the chairman of the Iraq Inquiry as the inquiry gets underway in London, looking at background details and the decision making process during the run-up to the Iraq War. The Iraq Inquiry announced Thursday May 29, 2014, that its report has been delayed for several years by negotiations over the inclusion of classified material including details of exchanges between Britain's then-Prime Minister Tony Blair and U.S. President George W. Bush, before the invasion of Iraq, but the full versions of the conversations will remain secret. Although today's announcement made clear that the British inquiry into decisions and mistakes in the planning and execution of the war will be made public, it is still unclear when Chilcot's report will be released. (AP Photo/Matt Dunham, FILE)
رئيس لجنة التحقيق البريطانية جون شيلكوت التي انتهت إلى أن بلير ورّط بلاده في حرب العراق (أسوشيتد برس)

وطالب كثيرون بمحاكمة بلير، وبعد عام على نهاية مهامه مبعوثا للجنة الرباعية الدولية، أسفرت تحقيقات بريطانية عام 2016 عن أنه ورّط البلاد في الحرب بناءً على معلومات استخباراتية غير دقيقة "ومن دون استنفاد جميع الخيارات السلمية لحل النزاع"، إلا أنها لم تُصرح بأن الحرب كانت غير قانونية، مما كان قد يُمهد الطريق لمحاكمة بلير بتهمة ارتكاب جرائم حرب.

وبعد أن وصل إلى طريق مسدود في مهمته الأممية، قدم بلير استقالته من منصبه، ولم يعد "مصدر قلق كبير في الحياة اليومية"، وفق موقع إخباري بريطاني، حيث اختفى من المشهد السياسي الدولي، وتفرغ للعمل في مناصب استشارية غير حكومية، وإلقاء محاضرات مقابل أجور باهظة، والإشراف على مؤسسات تهدف إلى تحسين سمعة وتلميع صورة الحكام والأثرياء في مناطق متفرقة من العالم.

يبدو أن المشاريع الاقتصادية والعقارية وما يرافق ذلك من صفقات واستشارات واستثمارات هو ما جذب بلير إلى الانخراط مبكرا في التخطيط لمرحلة ما بعد الحرب التي حوّلت قطاع غزة إلى حقل واسع من الدمار قد يتطلب سنين طويلة من الجهود والموارد، لكي ينبعث القطاع من الرماد وتعود فيه الحياة إلى مجراها الطبيعي، رغم حكم زملائه البريطانيين بفشل تجربته السابقة.

ففي أبريل/نيسان 2004 وجه 50 مسؤولا بريطانيا رسالة إلى بلير قالوا فيها "بعد كل تلك الأشهر التي مضت سدى، وجد المجتمع الدولي نفسه الآن أمام إعلان أرييل شارون والرئيس بوش عن سياسات جديدة أحادية الجانب وغير قانونية من شأنها أن تسفر عن إراقة المزيد من دماء الإسرائيليين والفلسطينيين. ومما يُضاعف استياءنا من هذه الخطوة المتخبطة هو أنكم تبدون وكأنكم وافقتم عليها، وتخليتم بذلك عن المبادئ التي استندت إليها الجهود الدولية على مدى أربعة عقود تقريبا لتحقيق السلام في المنطقة".

بعد توقع المسؤولين الخمسين أن يكون "الفشل الحتمي" مصير سياسات بلير، وهو ما حصل بالفعل، ما الذي يدفع بلير رجل الصفقات والاستشارات والاستثمارات للانخراط في خطة ترامب الجديدة؟

الإجابة وفرتها صحيفة لوموند الفرنسية في تقرير لها مطلع سبتمبر/أيلول الماضي عندما قالت إن قصة توني بلير هي أنه حلَم بأن يكون "صانع سلام"، لكنه على امتداد مسيرته السياسية غالبا ما فضل الحرب، وهو الآن رجل أعمال شغفه الأخير هو المال.

المصدر: الجزيرة

0 تعليق