أدت الحرب المستعرة في السودان منذ منتصف أبريل 2023 إلى "دمار شبه كامل" للقطاع الصناعي الخاص، الذي كان يمثل أحد أعمدة الاقتصاد الوطني.
فبين القصف المباشر وأعمال النهب الممنهجة، توقفت آلاف المصانع عن العمل، خاصة في العاصمة الخرطوم التي كانت تمثل القلب النابض للصناعة السودانية.
ويقدر حجم الخسائر المباشرة للقطاع الخاص بأكثر من 50 مليار دولار، في كارثة اقتصادية فاقمت من انهيار العملة المحلية والأزمات المعيشية الطاحنة.
"دمار شبه كامل" للمصانع في الخرطوم
قبل الحرب، كانت الصناعة تمثل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، وتوفر وظائف لنحو 20% من القوة العاملة. لكن الحرب، كما يقول المحلل الاقتصادي هيثم محمد فتحي، "دمرت هذا التوزيع بالكامل".
وتكشف الأرقام الرسمية حجم الكارثة:
رئيس اتحاد الغرف الصناعية، معاوية البرير: أكد تدمير ما يقارب 550 مصنعاً في منطقة العاصمة المثلثة (الخرطوم، بحري، أم درمان).
وزيرة الصناعة، محاسن علي يعقوب: أوضحت أن الخرطوم وحدها سجلت تضرر 3493 منشأة صناعية كبيرة ومتوسطة، وتضررت 125 منشأة كبيرة في ولاية الجزيرة.
المحلل الاقتصادي هيثم فتحي: قدر أن أكثر من 40% من المنشآت الصناعية في البلاد تعرضت لدمار كامل، وأن الإنتاج انخفض إلى نصف مستوياته قبل الحرب، وتوقفت الصناعات الدوائية بنسبة تجاوزت 60%.
الآثار الكلية: انهيار العملة وتفاقم الأزمات
ولم يقتصر أثر تدمير القطاع الصناعي على أصحابه وعماله، بل امتد ليضرب الاقتصاد الكلي في مقتل.
فقد أدى توقف الإنتاج والصادرات إلى انهيار غير مسبوق في قيمة العملة المحلية، التي هوت من 600 جنيه مقابل الدولار قبل الحرب، إلى أكثر من 3000 جنيه اليوم.
ويرى المحلل الاقتصادي الناير محمد النور أن "استقرار سعر الصرف هو الركيزة الأولى التي يجب أن تركز عليها الدولة حتى يبدأ الاقتصاد في التعافي".
بصيص أمل.. مبادرات فردية لإعادة التشغيل
في مقابل هذه الصورة القاتمة، تبرز مبادرات فردية تعكس صموداً ورغبة في استعادة الحياة.
محمد الشيخ، صاحب مصنع للعطور في أم درمان، يستعد لإعادة تشغيل مصنعه قريباً، رغم أن خسائره تجاوزت المليون دولار نتيجة نهب معداته.
ويقول الشيخ للجزيرة نت إن "ارتفاع سعر الدولار قد يقلل من تنافسية المنتجات المستوردة ويمنح دفعة للإنتاج المحلي"، مضيفاً أن دعم الدولة وتطمينات وزارة الصناعة شجعته على المحاولة من جديد.
طريق التعافي الطويل.. الاستقرار السياسي أولاً
من جانبها، تسعى وزارة الصناعة إلى "سد الفجوات عبر الإنتاج في الولايات الآمنة"، وتعمل على حصر شامل للمنشآت المتضررة وإنشاء نافذة موحدة لتبسيط الإجراءات.
لكن الخبراء يجمعون على أن أي تعافٍ صناعي حقيقي يتطلب "استقراراً سياسياً وأمنياً واجتماعياً، وهو أمر لن يتحقق ما دامت الحرب مستمرة".
فالأمل يبقى قائماً، لكنه محكوم بمدى قدرة الأطراف المتحاربة على التوصل إلى سلام يوقف نزيف الاقتصاد ويعيد للبلاد عافيتها.
0 تعليق