راجي كوك.. الفلسطيني الذي أعطى العالم لغته البصرية - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
راجي كوك نشأ في بيت حمل فلسطين في تفاصيله

في أحد أحياء نيوآرك بولاية نيوجيرسي، كان طفل صغير يسمع الناس ينادونه باسم غريب عنه: "روجر". هكذا قررت معلمته أن يكون اسمه، بحجة أن "راجي صعب على اللسان الأمريكي. لكن الطفل، ابن العائلة الفلسطينية القادمة من رام الله، لم ينسَ يومًا اسمه الأول ولا جذوره.

كان اسم عائلته الأصلي سليمان، لكن تحت الحكم العثماني لُقّب جده بـ"كُتشوك" أي "الصغير" بالتركية، ومع الهجرة إلى أمريكا تحوّل اللقب إلى Cook بالإنجليزية. ورغم هذا التغيير القسري للاسم، ظل راجي يرى نفسه فلسطينيًا كامل الانتماء.

نشأ في بيت حمل فلسطين في تفاصيله: الأحاديث، الصور القديمة، والذكريات التي كان والده يرويها عن الوطن البعيد. ورغم أنه درس الفن في نيويورك وتخرّج من معهد برات، إلا أن فلسطين لم تغب عن وعيه لحظة واحدة.

عام 1967، أسس شركته للتصميم في نيويورك. وبعد سنوات قليلة، جاءت الفرصة التي غيّرت مساره: وزارة النقل الأمريكية كلّفته بابتكار رموز بصرية تساعد ملايين المسافرين على فهم الاتجاهات في المطارات ومحطات القطار. جلس راجي يرسم أشكالًا بسيطة: رجل وامرأة لافتات الحمامات، كرسي متحرك، باب خروج.


لم يكن يدرك حينها أن هذه الأيقونات الصغيرة ستصبح لغة عالمية، يتشاركها البشر من دون كلمات.

عام 1984، وقف راجي في البيت الأبيض ليتسلم جائزة الرئيس للتصميم من رونالد ريغان. كانت تلك لحظة اعتراف أمريكية بعمل فلسطيني الأصل جعل العالم أكثر وضوحًا في عيون المسافرين. لكن المجد المهني لم يكن كافيًا لروحه.

في أواخر الثمانينيات، عاد بفنه إلى حيث قلبه. بدأ يصنع صناديق خشبية تجميعية يضع فيها مفاتيح قديمة، صورًا باهتة، وأدوات بسيطة. كل صندوق كان حكاية: عن بيت تركه أصحابه، عن مخيم يزدحم باللاجئين، عن وطن ينتظر الحرية.

في معارض مثل Vision of Palestine وWaiting for Peace، حمل راجي فلسطين إلى صالات العرض الأمريكية. لم يعد مجرد مصمم رموز في المطارات، بل صار شاهدًا على الذاكرة الفلسطينية، يصرخ عبر الفن حين يعجز الصوت.

لم يكتف بالمعارض. مع الكنيسة المشيخية الأمريكية، زار فلسطين وغزة عام 1989. هناك، رأى بعينيه المخيمات وضيق العيش، وعاد أكثر إصرارًا على أن الفن يمكن أن يكون وثيقة سياسية بقدر ما هو جمال بصري.

في منزله الريفي بولاية بنسلفانيا، عاش حياته بهدوء مع زوجته “بيغي” وابنتيه سينثيا وكاثرين. كان يعزف الجيتار، يربي النحل، ويلعب التنس. لكن في كل لوحة وصندوق، كان هناك وطن اسمه فلسطين.

رحل راجي كوك عام 2021 عن عمر ناهز التسعين. رحل جسدًا، لكن إرثه باقٍ: رموز نراها كل يوم في المطارات والطرقات، وأعمال فنية تذكّرنا بأن فلسطين لم تغب عن ذاكرة أبنائها.

لقد علّم العالم أن الأيقونات قد تكون أبلغ من الكلمات، وأن الفن يمكن أن يكون جسرًا بين مطار في نيويورك وبيت قديم في رام الله.

0 تعليق