Published On 24/9/202524/9/2025
|آخر تحديث: 19:30 (توقيت مكة)آخر تحديث: 19:30 (توقيت مكة)
رام الله- يقف محمد حسن، الطبيب الفلسطيني من مدينة نابلس شمال الضفة الغربية والمغترب في المملكة العربية السعودية، في حيرة من أمره، فالرجل الذي يحرص دائما على قضاء إجازاته القصيرة مع أبنائه وعائلته في نابلس، اعتاد أن يلتزم بدقة بمواعيد معبر الكرامة (جسر اللنبي) وهو المنفذ البري الوحيد الذي يربط الضفة الغربية بالعالم الخارجي عبر الأردن.
ولطالما تابع محمد بدقة جداول الإغلاقات التي يعلنها الاحتلال ليتمكن من السفر من دون معيقات، غير أن هذه الدقة لا تجدي نفعا في كثير من الأحيان، إذ تتسارع الأحداث على الأرض بما يتجاوز كل الجداول والخطط، فقد كان مقررا أن يغادر الضفة صباح الأربعاء قبل بدء إغلاقات الاحتلال بسبب الأعياد اليهودية، لكن القرار المفاجئ بإغلاق الجسر حتى إشعار آخر تركه عالقا "بلا أفق".
ستُقلع الطائرة المتجهة إلى مدينة الدمام في السعودية من دون أن يكون محمد على متنها، في مشهدٍ يلخّص معاناة يعرفها الفلسطينيون جيدا، فإغلاق معبر الكرامة لم يعد أمرا استثنائيا بالنسبة لهم، إذ لطالما وجدوا أنفسهم عالقين بسبب الأعياد اليهودية، أو التصعيدات الأمنية في الضفة، أو العمليات الفدائية التي تقع على الجسر كما حدث مؤخرا.
غير أن هذا المعبر، الذي يُعد شريان الحياة الوحيد لأهالي الضفة الغربية نحو العالم الخارجي عبر الأردن، لم يُغلق يوما بقرار سياسي معلن كما جرى هذه المرة، فقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخير بدا كأنه عقوبة جماعية تستهدف الفلسطينيين، ورسالة ردّ على الاعتراف الدولي المتزايد بدولة فلسطين، ليضيف إلى مشقة السفر ومعاناة الانتظار اليومية بُعدا سياسيا جديدا.

إغلاق سياسي
يؤكد المحلل السياسي الفلسطيني أيمن يوسف في حديثه للجزيرة نت أنّ هذه هي المرة الأولى التي يُتخذ فيها قرار بإغلاق المعبر بشكل مباشر من نتنياهو -المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة- وعلى أعلى مستوى سياسي.
إعلان
ويوضح أن إدارة المعابر والجسور عادة ما تكون مرتبطة بالاعتبارات الأمنية والعسكرية، وتشرف عليها سلطات جيش الاحتلال وما يُعرف بـ"هيئة المعابر والمطارات"، حيث كانت الدوافع الأمنية هي الغالبة في القرارات السابقة، غير أنّ ما يميّز هذا الإغلاق هو أنه جاء هذه المرة بدافع سياسي بحت.
ويرى يوسف أن الإغلاق جاء في إطار أزمة نتنياهو في إدارة علاقات إسرائيل الخارجية، بعد موجة الاعترافات المتتالية بالدولة الفلسطينية، وآخرها اعتراف 11 دولة بينها قوى وازنة في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا وبريطانيا، إضافة إلى كندا وأستراليا ونيوزيلندا، الأمر الذي وضع إسرائيل وروايتها في مأزق كبير أمام العالم.
ويضيف: "نتنياهو لا يستطيع اتخاذ إجراءات ضد هذه الدول، فلا يمكنه قطع العلاقات الدبلوماسية أو الاقتصادية معها لأن الضرر سيقع على إسرائيل نفسها أكثر مما سيقع على تلك الدول".
ويشير يوسف إلى أنّ نتنياهو يسعى من خلال هذا القرار إلى الظهور أمام الرأي العام الإسرائيلي بمظهر القادر على الرد وامتلاك بدائل في مواجهة التحديات، في وقت يهدف أيضا إلى إرضاء المستوطنين والجناح المتشدد داخل حكومته عبر فرض عقوبات جماعية على الفلسطينيين.
ويضيف أن الخطوة تحمل في طياتها رسالة سياسية موجهة للفلسطينيين وللأردن وللعالم العربي عموما، مفادها أنّه "لا وجود لفلسطين بين النهر والبحر"، وأن هذه الأرض هي "إسرائيل التاريخية" بحسب الرواية التوراتية الصهيونية.
وختم بالقول إن "الإغلاق لن يستمر طويلا، وربما لا يتجاوز أسبوعا واحدا، بالنظر إلى المصلحة الاقتصادية لإسرائيل في استمرار عمل المعبر" مؤكدا أن المغزى الأساسي للقرار سياسي بالدرجة الأولى، أكثر منه أمني أو اقتصادي.
" frameborder="0">
أول اختبار بعد الاعترافات
ويرى الناطق باسم حركة فتح إياد أبو زنيط أن القرار يشكّل رد فعل انتقامي، ومواصلة لسياسة العقاب الجماعي ضد الشعب الفلسطيني، ويزيد من تشديد أدوات الضغط والرقابة والسيطرة والتحكم بحق الفلسطينيين.
ويضيف أبو زنيط للجزيرة نت: "هذا القرار جاء بعد الاعترافات الدولية الكثيرة في الأمم المتحدة، وهو تأكيد على أن إسرائيل دولة تحاول التمرد على كافة القوانين الدولية".
كما تطرق إلى التأثير المباشر لإغلاق معبر الكرامة على حياة المواطنين، موضحا: "هناك عالقون على الطرفين حتى اللحظة، سواء في الأردن أو الضفة، فقد انقطعوا عن أعمالهم، وهناك مرضى وطلاب جامعات كذلك".
وأضاف أن المعبر يمر منه ما يقرب من 25-30 ألف مواطن شهريا، ما يعني تعطيلا كبيرا لحياة الناس وقطعا لتواصلهم مع العالم الخارجي.
ويؤكد أبو زنيط أن إسرائيل لن تترك أي وسيلة ضغط إلا وستحاول استخدامها في المرحلة المقبلة، بدءا من الحصار المالي، مرورا بالمعابر والبوابات والضم والاقتحامات والاعتقالات، وغيرها من الإجراءات.
ويضيف أن "إسرائيل لا تريد أي مواجهة من أي فلسطيني، بل تريد مواصلة نهجها التدميري من دون أي تحرك فلسطيني، وهذا بالطبع غير معقول وغير متوقع".
وختم أبو زنيط بالقول إن إغلاق المعبر يشكل أول اختبار حقيقي للاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، مؤكّدا أن الدول التي اعترفت بفلسطين ودعمتها صار لزاما عليها التحرك ضد إسرائيل، وتحويل الدعم النظري إلى أفعال على الأرض، وأضاف "من الطبيعي أن يكون هناك تحرك فلسطيني على الصعيد الدولي، فهذا واجب السلطة الفلسطينية، والتنقل حق لنا كفلسطينيين".
مراسل الجزيرة تامر الصمادي ينقل صورة الساعات الأولى من إغلاق معبر الكرامة الذي أغلقته إسرائيل مع الأردن وأوقفت حركة المسافرين والبضائع من خلاله#الأخبار pic.twitter.com/peW7fb6tgM
— قناة الجزيرة (@AJArabic) September 24, 2025
بدورها اعتبرت وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية في تصريح صحفي أن إغلاق معبر الكرامة "غير مبرر، ويندرج ضمن سياسة العقوبات الجماعية ضد الفلسطينيين"، محذرة من الأضرار الإنسانية والاقتصادية الضخمة الناتجة عنه، خصوصا مع كونه المنفذ الوحيد لأكثر من 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية نحو الخارج.
إعلان
وطالبت الوزارة بتدخل دولي عاجل لإعادة فتح المعبر فورا، معتبرة أن هذه الخطوة جزء من سياسة الاحتلال لتضييق المقومات المعيشية للفلسطينيين وفرض السيطرة عليهم، وتحويل الضفة الغربية إلى ما يشبه السجن الكبير عبر الحواجز العسكرية والمستوطنات واعتداءات المستوطنين.
0 تعليق