لا يزال المنتخب الإيطالي عالقا في دوامة لا تنتهي من خيبات الأمل والدراما، ويخشى غيابه عن كأس العالم للمرة الثالثة على التوالي وهو سيناريو كارثي لأبطال العالم 4 مرات.
الفشل في التأهل إلى روسيا 2018 وقطر 2022 شكل صدمة جماعية، لكن الأمر الأكثر إثارة للقلق هو الشعور الداخلي لدى الإيطاليين بالخوف من عدم إدراك مونديال أميركا والمكسيك وكندا.
اقرأ أيضا
list of 2 items end of listمهمة التأهل المباشر لكأس العالم 2026، كانت مستحيلة قبل مواجهة النرويج إلا أن الهزيمة في سان سيرو أمام زملاء إيرلينغ هالاند 4-1 الأحد ضمن التصفيات، كانت مؤلمة للإيطاليين وعشاق الآتزوري في كل مكان، وهي أكبر خسارة لإيطاليا على أرضها في مباراة ضمن مسابقة رسمية، بحسب إحصاءات موقع "ترانسفير ماركت".
الخسارة المذلة كما وصفتها الصحافة الإيطالية وفشل تأهل المنتخب واكتفاؤه بالملحق الأوروبي للمرة الثالثة (2018-2022)، كشفت عن فجوة فنية وذهنية لم يعد بإمكان المسؤولين في اتحاد كرة القدم تجاهلها، ما يستدعي القيام بتقييم واضح وقاطع حول أسباب هذا التراجع المخيف.
في السنوات الأخيرة، خيّب المنتخب الإيطالي الآمال أمام فرق كانت أدنى مستوى منه نظريا: السويد في عام 2017 وبلغاريا، وسويسرا، وأيرلندا الشمالية، وأخيرا مقدونيا الشمالية في عامي 2021 و2022؛ وألبانيا في عام 2024 والنرويج 2025.
منتخب إيطاليا اليوم في حالة هشة، ويدرك حاجته إلى إعادة النظر في وضعه الصعب والابتعاد عن الأوهام واجترار الأمجاد فطريق العودة إلى العالمية يتطلب عزيمة ونضجا وفريقا قادرا.
"تسويق وهمي"
قبل فترة زمنية، كانت كرة القدم الإيطالية تُسوّق لنفسها بشعار "الكالتشيو عاد"، في ذلك الوقت، شهدت البلاد موسما رائعا في المسابقات الأوروبية، حيث تأهل خمسة من أصل 12 فريقا إلى نصف النهائي في البطولات الثلاث (دوري أبطال أوروبا والدوري الأوروبي ودوري المؤتمر) علاوة على ذلك، تُوّج المنتخب الإيطالي بطلا لأوروبا عام 2020.
إعلان
لكن، لسوء حظ الإيطاليين، لم يبقَ اليوم سوى بقايا من تلك الحقبة.
إن أداء المنتخب في سان سيرو دق ناقوس الخطر ولا يعد حدثا عابرا، بل هو عرض من أعراض مرض "الآتزوري" الذي عليه أن يستعيد عافيته قبل معركة الملحق الأوروبي حيث لن يكون التأهل سهلا كما يظن بعض المتفائلين.
غياب إستراتيجية للشباب
صحيح أن بعض الأندية نجحت في الإبهار في السنوات الأخيرة، مثل إنتر ميلان في دوري أبطال أوروبا. لكن المشكلة الحقيقية تكمن في أن النظام لم يتطور بالشكل المطلوب.
البنية التحتية لكرة القدم الإيطالية متهالكة، والبيروقراطية لا تزال تمنع بناء ملاعب حديثة في العديد من الأماكن باستثناء يوفنتوس وأتالانتا اللذين يمتلكان ملاعبهما الخاصة.
المشكلة الكبرى هي افتقار الاتحاد والأندية لإستراتيجية متماسكة للشباب فبدلا من الاستثمار فيهم، تواصل غالبية الأندية إشراك اللاعبين المخضرمين والمحترفين ويرجع ذلك إلى أن النجاح قصير المدى يُقدم على الأهداف طويلة المدى، والتبرير المُقدم غالبا من المسؤولين هو عدم رغبتهم في استنزاف طاقة الشباب.
يبقى أفضل اللاعبين في أندية دوري الدرجة الأولى حتى سن التاسعة عشرة، قبل إعارتهم إلى دوري الدرجة الثالثة الإيطالي وهناك تتلاشى قدراتهم وتضيع موهبتهم.
يتمتع اللاعبون الشباب في إيطاليا بإمكانات واعدة، ويتجلى ذلك بوضوح في المنتخبات الوطنية ففي فئة تحت العشرين عاما، تُصنّف إيطاليا باستمرار ضمن نخبة المنتخبات العالمية. أما على مستوى الأندية، فلا تتاح لهم فرصة حقيقية على المستوى الاحترافي إلا في أوائل العشرينيات من عمرهم.
في يوم من الأيام لخص المدرب الإيطالي الأسطوري فابيو كابيلو ما يحصل مع اللاعبين الشباب في بلاده بقوله "لم يكن لامين جمال ليلعب في إيطاليا أبدا" في إشارة منه إلى أن الشاب الإيطالي الموهوب يضيع في زحام اللاعبين المخضرمين والأجانب.
بين المواهب الإيطالية (18 و21 عاما) ومواهب إسبانيا وإنجلترا وفرنسا، هناك فجوة تكاد تكون شاسعة ويتجلى هذا بوضوح في خط الهجوم. فبينما أنتجت الدول المذكورة بوفرة لاعبين من الطراز الرفيع في السنوات الأخيرة، لم تصنع إيطاليا مهاجما له ثقل كبير منذ فترة طويلة.
منذ عدة سنوات حاولت أندية مثل ميلان ويوفنتوس وأتالانتا جعل فرقها تحت 23 عاما تنشط في دوري الدرجة الثالثة الإيطالي لضمان ترسيخ المواهب الشابة في عالم كرة القدم الاحترافية بسرعة أكبر لكن الخطة لم تغير شيئا والنجاح كان محدودا.
أما بالنسبة للأندية الأخرى، فإن تكوين فريق ثان أمر غير ممكن لأسباب مالية لذلك، تُفضل هذه الأندية الاعتماد على لاعبين محترفين يُقدمون ضمانا أكبر.
غاتوزو لا يستطيع صنع المعجزات
احتلت إيطاليا المركز الثاني في المجموعة التي هيمنت عليها النرويج وهو مركز محرج لمنتخب يهدف إلى العودة إلى كأس العالم.
ولا يُمكن إلقاء اللوم على المدرب جينارو غاتوزو، المُعيّن حديثا، إذ لا يُتوقع منه تحقيق المعجزات. ومع ذلك، فإن التمجيد المُفرط لبعض اللاعبين، مثل الشاب بيو إسبوزيتو الذي وصفه الكثيرون بأنه "فلتة" كروية يُظهر كيف فقدت كرة القدم الإيطالية تقييمها الجيد للمواهب الكروية.
مشاكل هيكلية في الأندية الكبرى بالدوري الإيطالي
إن مشاكل الكرة الإيطالية لا تختزل في المنتخب، إذ تواجه أندية الدوري الإيطالي الكبرى أيضا أوقاتا معقدة، بين المشاكل الفنية والإدارية والخلافات الداخلية، والتي تميل جميعها إلى الاختباء وراء نهائي دوري أبطال أوروبا لإنتر، لكن الأزمة أكثر وضوحا وجلاء وتتعلق بالهياكل، وكذلك النتائج على أرض الملعب، مع دوري يشهد خسارة أفضل مواهبه.
إعلان
تواجه كرة القدم الإيطالية اليوم مشاكل تتجاوز الملعب والترتيب إنها مسائل تتعلق بالهوية والإستراتيجية والإدارة، والنجاح في حل هذه المشكلات في أقصر وقت ممكن سيسمح بتحقيق الأهداف، سواء كان ذلك التأهل لكأس العالم، أو الفوز بالدوري الإيطالي، أو العودة إلى المنافسة الأوروبية.
الأمر المُقلق في المنتخب الإيطالي ليس النتيجة، بل استمرار الفشل وهو ما يخشاه الجمهور الإيطالي في الملحق الأوروبي.

0 تعليق