عاجل

هل يحمي قانون تخليق الحياة السياسية سمعة البرلمان في المغرب؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

الرباط- في سياق الاستعدادات للانتخابات البرلمانية والبلدية المقررة العام المقبل، قدّم وزير الداخلية المغربي، عبد الواحد لفتيت، في البرلمان مشروع قانون لتغيير القانون التنظيمي لمجلس النواب، يهدف إلى تخليق، (تطوير العملية السياسية بقوانين وإجراءات لضمان النزاهة والشفافية)، العمل السياسي وحماية سمعة المؤسسة التشريعية، وذلك بعد تورُّط عدد من النواب في هذه الولاية بقضايا فساد.

وتورّط عشرات النواب في ملفات فساد وتبديد أموال عمومية، وصدرت في حق بعضهم أحكام نهائية، وآخرون لا يزالون رهن المحاكمة، في حين جُرد عدد منهم من عضويتهم في البرلمان.

ومن 375 نائبا في مجلس النواب، أصدرت المحكمة الدستورية في هذه الولاية التشريعية قرارات بتجريد 29 نائبا من عضوية المجلس بسبب تورطهم في قضايا فساد وخرق القانون، وكشفت مصادر إعلامية محلية أن 26 برلمانيا يتابعون في ملفات فساد، بعضهم أدين ابتدائيا وآخرون استئنافا، ومنهم من ينتظر مرحلة النقض.

وأظهر تقرير لوزارة الداخلية اطلعت عليه الجزيرة نت، أن 302 عضو في مجالس البلديات أُحيلوا على القضاء عام 2025 مقابل 137 العام الماضي، ويتعلق الأمر بـ 52 رئيس بلدية و57 من نواب الرئيس و124 عضوا و69 رئيسا سابقا.

المشروع وأهدافه

وقال وزير الداخلية عبد الواحد لفتيت، خلال تقديمه مشروع القانون أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية والسكنى وسياسة المدينة والشؤون الإدارية في البرلمان، الأربعاء الماضي، إن المشروع يهدف إلى تقوية القواعد اللازمة لتخليق انتخابات أعضاء مجلس النواب ودعم شفافية الانتخابات.

وأضاف أن تحقيق هذه الغاية يشكل قناعة تتقاسمها جميع الأطراف المعنية بهدف صيانة سمعة المؤسسة النيابية لدى الرأي العام الوطني وأيضا الدولي، لافتا إلى أن القواعد التي يقترحها القانون استلهمت من العبر المستخلصة من الممارسة الانتخابية الوطنية طيلة الولايات السابقة ومما يجري العمل به في الديمقراطيات العريقة.

إعلان

ويهدف المشروع إلى تفعيل قواعد التخليق في مختلف مراحل المسلسل الانتخابي بدءا من فترة إيداع الترشيحات إلى المدة الانتدابية مرورا بفترة الحملة الانتخابية ويوم الاقتراع.

ويمنع مشروع القانون ترشح كل شخص ضبط متلبسا بارتكاب جرائم معينة، والأشخاص الصادرة في حقهم أحكام استئنافية بالإدانة تسقط أهليتهم الانتخابية، والأشخاص الذين صدرت في حقهم أحكام ابتدائية بالإدانة في جناية، فضلا عن الأشخاص الذين عُزلوا من مهمة انتدابية.

كما ينص على تشديد العقوبات السجنية والغرامات المالية بالنسبة للجرائم المرتكبة بمناسبة الانتخابات برفعها إلى الضعف على الأقل، وأيضا تجريد كل نائب يوجد رهن الاعتقال لمدة تعادل أو تفوق 6 أشهر من عضويته في البرلمان.

وصنف القانون بعض الجرائم من جنحة إلى جناية، مثل اقتحام مكاتب التصويت مع حمل السلاح لمنع الناخبين من التصويت، أو انتهاك العمليات الانتخابية من أجل تغيير نتيجة الانتخابات أو الاستيلاء على صندوق الاقتراع قبل فرز أوراق التصويت الموجودة بداخله.

 

معضلة الثقة

من جهته، قال المحلل السياسي محمد العمراني بوخبزة، إن الشروع في مناقشة مشاريع تهدف إلى تخليق العمل السياسي والبرلماني جاء بعدما أظهرت دراسات أن منسوب الثقة لدى المواطن المغربي في المؤسسات المنتخبة ضعيف جدا، خصوصا في البرلمان والحكومة والأحزاب السياسية.

وأوضح للجزيرة نت، أن هذه المعضلة "تمس جوهر العملية الديمقراطية"، ما يجعل اتخاذ إجراءات عملية لاستعادة الثقة أولوية كبرى في المرحلة الراهنة.

كما أكد المحلل السياسي محمد شقير، أن المشروع الذي قدمه وزير الداخلية يجب وضعه في سياقه السياسي العام، الذي يتسم بوجود إرادة سياسية واضحة لدى العاهل المغربي للحد من مظاهر الفساد التي تفاقمت خلال الولاية التشريعية الحالية.

وأضاف شقير للجزيرة نت، أن السلطات أبدت صرامة غير مسبوقة في ملاحقة المنتخبين المتورطين في قضايا الفساد سواء في البلديات أم في البرلمان.

وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس قد أكد في خطاب العرش في يوليو/تموز الماضي على ضرورة توفير المنظومة العامة المؤطرة للانتخابات البرلمانية، وأن تكون معتمدة ومعروفة قبل نهاية السنة الحالية، وأعطى توجيهاته لوزير الداخلية للإعداد الجيد للانتخابات التشريعية المقبلة، وفتح باب المشاورات السياسية مع مختلف الفاعلين.

وعقد وزير الداخلية اجتماعين، الصيف الماضي، مع زعماء الأحزاب السياسية، تم الاتفاق فيهما على تقديم الأحزاب مذكرات تتضمن تصوراتها لتنظيم الانتخابات المقبلة.

وأوضح المحلل شقير، أن المشروع المقدم للبرلمان هو ثمرة لهذا الحوار السياسي بين وزارة الداخلية والأحزاب بهدف إعادة الثقة في المؤسسات المنتخبة.

بينما أكد الخبير العمراني بوخبزة، أن وزارة الداخلية، ومنذ الخطاب الملكي الأخير، تعمل على تجويد النصوص القانونية المؤطرة للعملية الانتخابية والأحزاب السياسية بهدف معالجة الوضعية المقلقة التي يعيشها المشهد السياسي.

ولفت إلى أن هذه القوانين لا تستهدف فقط ضبط العملية الانتخابية أو رسم الخريطة السياسية كما في السابق، بل تروم في جوهرها إعادة ثقة المواطنين في البرلمان والمؤسسات المنتخبة وتخليق الحياة السياسية، داعيا إلى إصدار ميثاق للأخلاقيات داخل البرلمان.

الصورة 3: المغرب/ الرباط/ سناء القويطي/ جانب من وقفة احتجاجية سابقة لحركة
جانب من وقفة احتجاجية سابقة لأفراد من حركة "جيل زد" في المغرب رافعين شعار إسقاط الفساد (الجزيرة)

تحركات الشارع

وتزايدت أخيرا الانتقادات الموجهة للنخب السياسية الممثلة في البرلمان، خصوصا مع استعداد المملكة لتنظيم تظاهرات إقليمية ودولية كبرى.

إعلان

وذهب المحلل شقير إلى أن المرحلة الراهنة تستدعي بروز نخب سياسية وإدارية كفؤة ونزيهة، معتبرا أن "النخب الحالية المتورطة في قضايا فساد أصبحت تشكل عبئا على المغرب وتسيء إلى سمعته في الخارج".

من جهة أخرى، أشار المتحدث نفسه إلى أن الإصلاحات المقترحة حاليا تأتي تجاوبا مع التعبيرات الشبابية التي ظهرت أخيرا ورفعت شعارات تطالب بمحاربة الفساد.

وكانت مجموعات شبابية أطلقت على نفسها حركة "جيل زد 212″ قد نظمت احتجاجات في عدد من المدن المغربية، الشهر الماضي، رافعة شعار "الشعب يريد إسقاط الفساد".

" frameborder="0">

وقال شقير، إن المشروع الذي قدّمه وزير الداخلية في البرلمان جاء استجابة لهذه المطالب، خاصة محاصرة ترشيح النخب المشبوهة في البرلمان، وضبط تمويل الحملات الانتخابية، وإلزام الأحزاب والمترشحين بإحالة تقاريرهم المالية على المجلس الأعلى للحسابات.

وأوضح أن السلطات تُبدي رغبة صارمة في أن تكون الانتخابات المقبلة نزيهة وشفافة، مؤكدا أن هذه الصرامة تعكس توجها واضحا نحو تطهير المشهد السياسي من الممارسات التي أضرت بصورة المؤسسات وأعاقت إنجاز المشاريع الكبرى.

أما الخبير العمراني، فيرى أن الإصلاح السياسي عملية معقدة تواجهها دائما جيوب مقاومة، مضيفا أن التجارب السابقة لم تحقق النتائج المنتظرة، غير أن وجود إرادة سياسية واضحة وآليات جديدة للمراقبة قد يتيح للمغرب الانتقال إلى مستوى أكثر تقدما من الممارسة الديمقراطية وفق تعبيره.

 

0 تعليق