عاجل

خبراء: موازنة تونس 2026 تكرس مزيدا من اللجوء للاقتراض - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تعكس موازنة تونس لسنة 2026 "مفارقة واضحة" بين ما تعلنه الحكومة من التوجه نحو الاعتماد على الموارد الذاتية وبين الواقع الفعلي الذي يكرس اللجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي، وفق رأي بعض الخبراء.

ويكشف مشروع الموازنة لسنة 2026 -الذي يناقشه البرلمان الشهر الجاري- أن الحكومة ستعتمد على الاقتراض من الداخل والخارج لتغطية العجز المالي وضمان توازن الموازنة جراء محدودية مواردها.

وستعتمد الحكومة في 2026 على مزيد من الاقتراض الداخلي بقيمة 19.1 مليار دينار (6.4 مليارات دولار) لتغطية العجز المالي، من بينها 11 مليار دينار (3.72 مليارات دولار) بشكل مباشر من البنك المركزي التونسي.

ويعكس هذا النوع من الاقتراض توجها متكررا نحو البنك المركزي التونسي للمرة الثالثة على التوالي بعد أن اقترضت الدولة 7 مليارات دينار (2.37 مليار دولار) في 2025 والمبلغ نفسه في 2024.

الخروج للأسواق المالية

كما ستلجأ الحكومة التونسية العام المقبل إلى الاقتراض الخارجي بقيمة 6.8 مليارات دينار (2.3 مليار دولار)، بزيادة تبلغ 2.4% مقارنة بعام 2025، وسط استمرار رفض النظام الحالي اللجوء إلى صندوق النقد الدولي.

كما تعتزم إصدار قرض رقاعي (سندات دين) بقيمة 400 مليون يورو (1.36 مليار دينار) في الأسواق المالية العالمية، في أول خروج لها منذ عام 2019 حين تمكنت آنذاك من جمع 2.2 مليار دينار (745 مليون دولار).

وإلى جانب الاقتراض تضمّن مشروع قانون مالية 2026 ضرائب ورسوما جديدة، ومن المفترض أن تصل موارد الجباية إلى 47.8 مليار دينار (16.2 مليار دولار)، بزيادة 3.3 مليارات دينار عن 2025.

ويُقدّر حجم موازنة 2026 بنحو 79.6 مليار دينار (27 مليار دولار)، بزيادة 3.9% مقارنة بسنة 2025، في حين تصل خدمة الدين إلى نحو 23 مليار دينار (7.8 مليارات دولار)، أي بنسبة 26% من الموازنة.

صورة 2: وزير المالية مشكاة سلامة الخالدي تستعرض أمام لجنة المالية بالبرلمان مشروع قانون المالية ومشروع الميزان الاقتصادي/مجلس نواب الشعب/العاصمة تونس/أكتوبر/تشرين الأول 2025 المصدر: مجلس نواب الشعب
وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي تستعرض أمام لجنة المالية بالبرلمان مشروع قانون المالية ومشروع الميزان الاقتصادي (مجلس نواب الشعب)

تناقض بين الشعار والواقع

بدوره، يوضح الخبير الاقتصادي رضا الشكندالي للجزيرة نت أنه على عكس ما ترفعه الحكومة من شعار "الاعتماد على الذات" فإن الواقع يُظهر لجوءها المتكرر إلى الاقتراض، ولا سيما من البنك المركزي.

إعلان

ويشير الشكندالي إلى أن الحكومة اقترضت من البنك المركزي 7 مليارات دينار في 2024، ثم أعادت اقتراض المبلغ نفسه في 2025، في حين سترفع قيمة الاقتراض المباشر في 2026 إلى 11 مليار دينار.

ويضيف أن هذا القرض الأخير سيكون على 3 سنوات إمهال، ومدة تسديد تمتد إلى 15 سنة دون فائدة.

ويؤكد الشكندالي أن الاقتراض المباشر من البنك المركزي بقيمة 11 مليار دينار سيؤدي إلى ضخ سيولة هائلة في السوق "ستستخدمها الحكومة أساسا لنفقات الاستهلاك ودعم الميزانية، وليس لتمويل الاستثمار أو نفقات التنمية".

ضعف تمويل المؤسسات

ويشير الشكندالي إلى أن سحب السيولة بهذه الطريقة من قبل الحكومة يقلص قدرة البنوك على تمويل القطاع الخاص، ويحد من قدرة المؤسسات الاقتصادية على الاقتراض لتنفيذ مشاريع توسعية أو تطوير استثمارات جديدة.

كما ينتقد طبيعة الموازنة، مشيرا إلى أن زيادة الموارد الجبائية بنسبة 3.3 مليارات دينار (أكثر من الزيادة في  إجمالي قيمة الموازنة للدولة) تجعل موازنة 2026 "جبائية بامتياز".

ويضيف الشكندالي أن فرض الضرائب والأتاوى الجديدة يزيد تكلفة الإنتاج على المؤسسات، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار التي ستنعكس على جيوب المواطنين وتضعف القدرة التنافسية للمؤسسات بالخارج.

ويربط هذا الوضع بتراجع الصادرات في 2025، حيث شهدت الشركات التونسية ركودا نتيجة ارتفاع تكلفة الإنتاج وصعوبة التمويل وضعف المنافسة الدولية.

كما يشير إلى أن تصنيف تونس الأخير في مؤشر مناخ الأعمال يُظهر أنها تحتل مراتب متأخرة جدا، مما يعكس محدودية قدرة القطاع الخاص على النمو في ظل ضعف التمويل.

نسبة نمو غير واقعية

من جهة أخرى، يستبعد الشكندالي بلوغ نسبة النمو المتوقعة في موازنة 2026 والتي حددتها الحكومة عند 3.3%، قائلا إنها تبدو "غير واقعية وصعبة التحقيق".

ويشير إلى أن هذه النسبة لم ترد في تقديرات أي مؤسسة دولية، سواء البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي، مما يوضح الفجوة بين توقعات الحكومة والواقع الاقتصادي.

علم تونس
نسبة النمو المستهدفة في تونس عند 3.3% تبدو غير واقعية في ظل المعطيات الاقتصادية الراهنة وفق مراقبين (شترستوك)

موارد ذاتية محدودة

من جانبه، يشير الخبير الاقتصادي معز حديدان إلى أن موازنة 2026 ستعتمد في تمويلاتها على الموارد الجبائية والموارد غير الجبائية، وبدرجة أقل على الهبات.

ويقول حديدان للجزيرة نت إن الحكومة ستعتمد بشكل كبير على الموارد الجبائية، التي من المتوقع أن ترتفع إلى نحو 47.8 مليار دينار، بزيادة 5.6% عن 2025.

ويبين أن الحكومة التونسية ستوسع القاعدة الضريبية وتقلص التهرب الضريبي بفرض آليات جديدة مثل الآلات المسجلة والفواتير الإلكترونية، إضافة إلى فرض ضرائب جديدة كالضريبة على الثروة وغيرها.

لكنه يوضح أن هذه الموارد الذاتية لن تكون كافية لتغطية احتياجات الموازنة، مما دفع الحكومة للجوء إلى الاقتراض الداخلي والخارجي لتعبئة الموارد وسد العجز المالي، وهو ما يتعارض مع شعار "الاعتماد على الذات".

ويعرّج حديدان على لجوء الحكومة إلى التمويل من البنك المركزي بشكل مباشر للمرة الرابعة منذ عام 2020 في فترة جائحة "كوفيد-19".

إعلان

ويشير إلى أن هذا النوع من الاقتراض المباشر قد يؤدي إلى ضخ سيولة كبيرة في السوق تُستخدم غالبا للاستهلاك ودعم الميزانية، مما قد يتسبب في ضغوط تضخمية تؤثر على الأسعار ومستوى المعيشة.

ويرى حديدان أن نسبة النمو المتوقعة في موازنة 2026 عند 3.3% تعتمد على ظروف ملائمة تشمل استقرار الأسواق الداخلية والخارجية وظروف مناخية مواتية، مع ضرورة تحقيق نمو القطاع الفلاحي فوق 5%.

ويؤكد أن الاعتماد على الفلاحة والسياحة وحدهما لا يكفي لتحقيق تلك النسبة إذا لم يتم دعم تنافسية المؤسسات الاقتصادية ودعم صادراتها وتشجيع الاستثمار عبر توفير التمويلات اللازمة وضمان الاستقرار.

إجراءات برلمانية

وكانت وزيرة المالية مشكاة سلامة الخالدي قد استعرضت قبل أيام مشروع الموازنة لسنة 2026 وفرضيات قانون المالية أمام لجنة المالية والميزانية خلال جلسة استماع بمجلس نواب الشعب (البرلمان).

ومن المنتظر أن تنطلق يوم 5 أو 6 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري الجلسات العامة بالبرلمان لمناقشة مشروع ميزانية الدولة ومشروع الميزان الاقتصادي لسنة 2026، على أن يتم التصويت عليهما بشكل نهائي بحلول 10 ديسمبر/كانون الأول المقبل طبقا لمقتضيات الفصل 66 من الدستور.

0 تعليق