تسبب إعصار ميليسا، أحد أقوى العواصف الأطلسية التي تم تسجيلها على الإطلاق في منطقة البحر الكاريبي، خسائر كبيرة طالت جامايكا وهايتي وكوبا وجزر الباهاما، وفقا للمركز الوطني الأميركي للأعاصير، وهو ما يطرح علاقة الأعاصير المدارية بحدة التغيرات المناخية الجارية.
وحسب الأبحاث والدراسات، لا يُعتقد أن تغير المناخ يؤدي بشكل مباشر إلى زيادة عدد الأعاصير والعواصف في جميع أنحاء العالم، لكن المحيطات الأكثر دفئاً إلى جانب الغلاف الجوي الأكثر حرارة بسبب تغير المناخ، لديها القدرة على جعل تلك العواصف التي تتشكل أكثر كثافة وخطورة.
اقرأ أيضا
list of 4 items end of listتعرف الأعاصير المدارية بكونها أنظمة عاصفة قوية، تتميز بانخفاض الضغط الجوي، وهبوب رياح عاتية، وأمطار غزيرة، وهي تتشكل فوق مياه المحيطات الدافئة، وخاصة في المناطق الاستوائية.
وبمجرد أن تتجاوز سرعة الرياح 63 كيلومترا في الساعة، تُعتبر عاصفة استوائية، ويتشكل ما بين 80 و90 إعصارا استوائيا سنويا حول العالم، تختلف في شدتها وتأثيراتها.
وتتحول العاصفة الاستوائية إلى إعصار عندما ترتفع فيها سرعة الرياح فوق 118 كيلومترا في الساعة. وتحافظ العاصفة التي تتحول إلى إعصار على الاسم الذي تعرف به.
وتسمى الأعاصير المدارية، نسبة إلى موقعها، وتعرف أيضا بالتيفونات، ويُستخدم المصطلح الأول تحديدا في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يشمل الأعاصير التي تنشأ في المحيط الأطلسي أو شمال شرق المحيط الهادي.
ويعد مقياس "سافير سيمبسون" للرياح أكثر أساليب تقييم مخاطر الأعاصير شيوعا. وطُوّر هذا المقياس عام 1971 على يد المهندس المدني الأميركي هربرت سافير ومواطنه خبير الأرصاد الجوية روبرت سيمبسون، وطُرح للاستخدام عام 1973.
يُصنّف هذا المقياس الأعاصير إلى 5 فئات، بناء على سرعة رياحها المستمرة. ولتصنيف العاصفة كإعصار، يجب أن تبلغ سرعة رياحها القصوى المستمرة 119 كيلومترا في الساعة في المتوسط لمدة دقيقة واحدة، وهي الفئة الأولى.
إعلان
ويُمنح أعلى تصنيف حاليا للعواصف التي تهب رياحها بسرعة 252 كيلومترا في الساعة على الأقل، وتصنف من الفئة الخامسة.
ويُقدّر هذا المقياس أيضا مدى الضرر المحتمل على الممتلكات والبنية التحتية وسبل العيش، حيث يُتوقع أن تُسبب الأعاصير من الفئات 3 إلى 5، والمعروفة أيضا بالأعاصير الكبرى، أضرارا وخسائر تتراوح بين "مدمرة" و"كارثية" بسبب قوة رياحها. وتُعرف الأعاصير المدارية التي تتشكل في شمال غرب المحيط الهادي باسم "التايفون".
تتميز الأعاصير المدارية بسرعات رياح شديدة، وأمطار غزيرة، وعواصف عاتية، وارتفاعات قصيرة الأمد في مستوى سطح البحر. وكثيرًا ما يتسبب ذلك في أضرار واسعة النطاق وفيضانات.
 
 كيف تتشكل الأعاصير؟
تبدأ الأعاصير والزوابع والعواصف في شكل اضطرابات جوية، مثل الموجة الاستوائية، وهي منطقة ذات ضغط منخفض تتطور فيها العواصف الرعدية والغيوم.
ومع ارتفاع الهواء الدافئ الرطب من سطح المحيط، تبدأ الرياح بالدوران. وترتبط هذه العملية بكيفية تأثير دوران الأرض على الرياح في المناطق الاستوائية البعيدة عن خط الاستواء.
ولكي يتطور الإعصار ويستمر في الدوران، يجب أن تكون درجة حرارة سطح البحر 27 درجة مئوية على الأقل لتوفير الطاقة الكافية، ويجب ألا تختلف الرياح كثيرًا مع الارتفاع. وإذا اجتمعت كل هذه العوامل، فقد يتشكل إعصار قوي، ومع ذلك تبقى الأسباب الدقيقة لتشكل العواصف معقدة.
 
 هل باتت الأعاصير أسوأ؟
تشير الدراسات إلى أن تواتر الأعاصير المدارية عالميا لم يزد على مدى القرن الماضي، بل ربما انخفض عددها، حسب تقرير مجلة "نيتشر"، رغم أن البيانات الطويلة الأجل محدودة في بعض المناطق.
ولكن الدراسات ترجح أن نسبة كبرى من الأعاصير المدارية في جميع أنحاء العالم وصلت إلى الفئة الثالثة أو أعلى على مدى العقود الأربعة الماضية، مما يعني أنها وصلت إلى أعلى سرعات الرياح، حسب الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ .
وتشير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية إلى "ثقة متوسطة" في أن هناك زيادة في معدلات هطول الأمطار المتوسطة والقصوى المرتبطة بالأعاصير المدارية.
ومن المرجح حسب تقرير نشر في مجلة "نيتشر" أيضا أن تواتر وحجم "أحداث التكثيف السريع" في المحيط الأطلسي قد ازدادا، وهو ما زاد سرعة الرياح القصوى، مما قد يكون خطيرا للغاية.
ويشير التقرير إلى أن هناك تباطؤًا في سرعة تحرك الأعاصير المدارية عبر سطح الأرض، ويؤدي هذا عادةً إلى هطول أمطار أكثر في منطقة معينة. فعلى سبيل المثال، في عام 2017، توقف إعصار هارفي فوق هيوستن، مطلقًا 100 سنتيمترا من الأمطار في 3 أيام وفق ما أوردت التقارير.
وفي بعض الأماكن، انتقل متوسط موقع الأعاصير المدارية الذي تبلغ فيه ذروتها نحو القطبين، وغرب شمال المحيط الهادي، وهو ما يُعرّض مجتمعات جديدة لهذه المخاطر.
وتشير التقارير إلى أن تقييم التأثير الدقيق لتغير المناخ على الأعاصير المدارية الفردية قد يكون أمرًا صعبا بسبب تعقيد أنظمة العواصف هذه، لكن ارتفاع درجات الحرارة يمكن أن يؤثر على هذه العواصف بعدة طرق، فمع مياه المحيطات الدافئة يمكن أن تلتقط العواصف المزيد من الطاقة، مما يؤدي إلى زيادة سرعة الرياح.
إعلان
كما يمكن للأجواء الدافئة أن تحتفظ بكمية أكبر من الرطوبة، مما يؤدي إلى هطول أمطار أكثر كثافة، وقد أدى تغير المناخ إلى زيادة احتمالات هطول الأمطار الغزيرة الناجمة عن إعصار "هارفي" في عام 2017 بنحو 3 أضعاف، وفقًا لبعض الدراسات.
كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يعود أساسا إلى مزيج من ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية، يؤدي إلى صعود المياه الدافئة بفعل الحمل الحراري لتشمل ساحة أكبر، وهو ما قد يؤثر على قوة الأعاصير.
وحسب دراسة حديثة، ارتفعت سرعة الرياح القصوى للأعاصير بين عامي 2019 و2023 بنحو 30 كيلومترا في الساعة في المتوسط نتيجة لارتفاع درجة حرارة المحيط بسبب أنشطة الإنسان زيادة انبعاثات غازات الدفيئة.
ويشير ذلك إلى أن العواصف العاتية تحدث فوق مستوى سطح البحر المرتفع أصلًا، مما يؤدي إلى تفاقم الفيضانات الساحلية. وتؤكد التقديرات إلى أن ارتفاعات الفيضانات الناجمة عن إعصار كاترينا في عام 2005، أحد أعنف العواصف التي شهدتها أميركا، كانت أعلى بنسبة 15% إلى 60% مقارنة بالظروف المناخية التي سادت عام 1900.
وبشكل عام، خلص تقرير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية إلى وجود "ثقة عالية" في أن البشر ساهموا في زيادة هطول الأمطار المرتبطة بالأعاصير المدارية، و"ثقة متوسطة" في أن البشر ساهموا في زيادة احتمالية أن يصبح الإعصار المداري أكثر شدة.
وفقا لتقرير اللجنة، من غير المرجح أن يزداد عدد الأعاصير المدارية على مستوى العالم، لكن مع ارتفاع درجة حرارة الكوكب، يُقدر أن تشهد هذه المناطق معدلات هطول أمطار أعلى وسرعة رياح قصوى.
ويعني ذلك أن نسبة كبرى من الأعاصير ستصل إلى أشدّ فئتين، وهما الرابعة والخامسة، وكلما ارتفعت درجات الحرارة العالمية، أصبحت هذه التغيرات أكثر تطرفا.
وتشير اللجنة الدولية للتغيرات المناخية إلى أن نسبة الأعاصير المدارية التي تصل إلى الفئتين 4 و5 قد تزيد بنحو 10% إذا اقتصر ارتفاع درجات الحرارة العالمية على 1.5 درجة مئوية، وستزيد إلى 13% عند درجتين مئويتين و20% عند 4 درجات مئوية رغم أن الأرقام الدقيقة غير مؤكدة.

 
            
0 تعليق