الباروكة القضائية بأفريقيا.. إرث استعماري يثير الجدل - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

انقر هنا للمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي

share2

عندما انسحبت الإمبراطورية البريطانية من أفريقيا، تركت وراءها أكثر من حدود مرسومة وبيروقراطيات مترهلة.

فقد ورثت القارة أيضا رموزا بصرية للسلطة القضائية، أبرزها الباروكات البيضاء الطويلة التي ارتداها ملوك إنجلترا ومحاموها منذ القرن الـ17.

ورغم أن بريطانيا نفسها تخلت تدريجيا عن هذه التقاليد، ما زالت الباروكات حاضرة بقوة في محاكم العديد من مستعمراتها السابقة.

وبينما ينقسم الرأي العام بين من يراها رمزا للانضباط والهيبة، ومن يعتبرها بقايا استعمارية منفصلة عن الواقع الاجتماعي والثقافي الأفريقي، يوضح تقرير لموقع أفريكا ريبورت أن النقاش حول هذه الرمزية يتجدد اليوم بوتيرة متسارعة.

بريطانيا تتحرر وأفريقيا تتمسك

أثار قرار مجلس نقابة المحامين في بريطانيا مؤخرا بالسماح للمحامين بالتخلي عن الباروكات إذا كانت "غير مريحة أو غير عملية" نقاشا واسعا في أفريقيا.

فقد جاء القرار بعد شكاوى من محامين سود اعتبروا الباروكات غير ملائمة للشعر الأفريقي وتحمل دلالات ثقافية مستفزة.

لكن في القارة، كما يذكر أفريكا ريبورت، ما زالت الصورة مختلفة، إذ تتمسك العديد من الأنظمة القضائية بالإرث البريطاني وتعتبره جزءًا من هيبة القضاء.

MANCHESTER, ENGLAND - OCTOBER 07: Shadow Secretary of State for Justice, Robert Jenrick, speaks whilst holding a judges wig on day three of the Conservative Party conference on October 7, 2025 in Manchester, England. Kemi Badenoch goes into her first conference as party leader with current polling putting the Conservative Party in fourth place behind Reform, Labour and the Liberal Democrats. (Photo by Christopher Furlong/Getty Images)
سمح في بريطانيا مؤخرا نزع الباروكة في المحكمة (غيتي)

غرب أفريقيا: بين التقاليد والمقاومة

في غانا، ما زال القضاة والمحامون يرتدون الزي البريطاني الكامل، رغم تصاعد الدعوات لإلغائه باعتباره منفّرا للجمهور.

غير أن المحكمة العليا دافعت عن الباروكات باعتبارها ضمانة للانضباط وحماية لهيبة المهنة، وفق ما أوردته أفريكا ريبورت.

أما في نيجيريا، فما زالت الباروكات إلزامية في المحاكم العليا، لكن الحرارة الخانقة كثيرا ما تجبر القضاة على خلعها، خاصة في مبان قديمة تفتقر إلى التهوية.

وأشار التقرير إلى أن هذه المفارقة تعكس التناقض بين التمسك بالرمز والواقع المناخي الصعب.

رئيسة المحكمة العليا في نيجيريا (الصحافة النيجيرية)

وفي غامبيا، ما زالت المحاكم تعكس صورة الاستعمار، حيث يظهر القضاة والمحامون بالباروكات والرداء الأسود، بينما يطرح بعض المحامين الشباب تساؤلات خجولة عن جدوى التمسك بهذا الرمز.

إعلان

وقال أحد المحامين لـأفريكا ريبورت: "الباروكات لا تجعل العدالة أكثر عدلا".

" title="لماذا يضع القضاة شعرا مستعارا؟ وما علاقته بالاستعمار الإنجليزي لإ">

وفي سيراليون، يدافع كبار القضاة عن الباروكات باعتبارها رمزا للحياد والوقار، لكن منتقدين يرون أن البلاد بحاجة إلى هوية قضائية أكثر استقلالا عن الرموز الموروثة.

أما بوركينا فاسو، فقد كسرت القاعدة، إذ استبدلت الزي الأوروبي بملابس محلية من قماش "فاسو دان فاني"، في خطوة ضمن مسار أوسع لإعادة الاعتبار للثقافة الوطنية.

ويصف أفريكا ريبورت هذه الخطوة بأنها جزء من "موجة قارية لإعادة تملك الرموز الثقافية".

الرئيس السابق للمحكمة العليا في كينيا (الصحافة الكينية)

شرق أفريقيا: بقايا الاحترام الرسمي

في كينيا، ما زالت الباروكات إلزامية في المحاكم العليا، حيث يرى المدافعون عنها أنها تعكس الاحترام للمؤسسة القضائية، بينما يعتبرها المنتقدون حاجزا بين القضاء والجمهور.

وفي أوغندا، أثارت تكلفة الباروكات المستوردة، التي تصل إلى 6500 دولار للقطعة الواحدة، غضبا عاما، خصوصا بين القضاة الشباب الذين يرونها عبئا ماليا ورمزا متجاوزا لعصره، بحسب أفريكا ريبورت.

أما في تنزانيا، فما زال الزي البريطاني قائما، رغم أن التمسك به يبدو متناقضا مع خطاب الهوية الوطنية الذي تبنته البلاد بعد الاستقلال.

مجموعة من القضاة الأوغنديين يضعون باروكات (الصحافة الأوغندية)

جنوب القارة: بين الإرث والحرارة

في زيمبابوي، تصف منظمات حقوقية الباروكات بأنها "مخيفة" وتعيد إنتاج الهرمية الاستعمارية، بينما يصر القضاة على أنها رمز للانضباط والاستمرارية.

وفي زامبيا، ما زالت المحاكم متمسكة بالزي البريطاني، لكن أصواتًا أكاديمية بدأت تدعو إلى استبداله بملابس محلية تعكس الهوية الوطنية.

أما في ملاوي، فقد أعادت موجة حر عام 2019 النقاش إلى الواجهة، بعدما اضطرت المحاكم إلى تعليق ارتداء الباروكات مؤقتا، قبل أن تعود إليها لاحقا.

ألغت جنوب أفريقيا الباروكة في المحاكم بعد سقوط نظام الفصل العنصري (غيتي)

 

وفي ليسوتو وإسواتيني، لا تزال الباروكات جزءا من المشهد القضائي، دون أن يثير الأمر نقاشا عاما واسعا.

أما جنوب أفريقيا، فقد اتخذت مسارا مختلفا بعد نهاية الفصل العنصري، فألغت الباروكات واعتمدت أردية بسيطة بألوان مختلفة حسب نوع القضايا، في خطوة رمزية نحو "عدالة متحررة من الاستعمار"، كما يوضح أفريكا ريبورت.

رمزية تتجاوز القارة

لم يقتصر النقاش على أفريقيا، ففي الولايات المتحدة، لفتت القاضية كيتانجي براون جاكسون الأنظار خلال حفل تنصيب رئاسي عام 2025 بارتدائها طوقا من أصداف الكاوري فوق ردائها الأسود التقليدي، في إشارة إلى جذور أفريقية ورمزية ثقافية عميقة.

ويشير أفريكا ريبورت إلى أن هذه اللفتة اعتُبرت "تمردًا صامتا" داخل مؤسسة قضائية طالما ارتبطت بالرموز الاستعمارية والذكورية.

Jan 20, 2025; Washington, DC, USA; WASHINGTON, DC - JANUARY 20: U.S. Supreme Court Associate Justices Ketanji Brown Jackson wears a collar and matching earrings made from cowrie shells during the inauguration ceremonies in the Rotunda of the U.S. Capitol on January 20, 2025 in Washington, DC. Donald Trump took the oath of office for his second term as the 47th president of the United States. Mandatory Credit: Chip Somodevilla-Pool via Imagn Images
القاضية كيتانجي براون جاكسون ارتدت في حفل تنصيب رئاسي عام 2025 طوقا من أصداف الكاوري فوق ردائها الأسود التقليدي (رويترز)

بين العدالة والهوية

يبقى السؤال مفتوحا: هل الباروكات مجرد زي رسمي يرمز إلى الانضباط والهيبة، أم أنها بقايا استعمارية تعيق بناء هوية قضائية أفريقية مستقلة؟ بين من يتمسك بالتقاليد ومن يسعى إلى ضرورة "أفريقانية" العدالة، يبدو أن معركة الرموز في المحاكم لم تُحسم بعد، كما خلص تقرير أفريكا ريبورت.

إعلان

0 تعليق