أفادت تقارير صحفية بأن وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، إيتمار بن غفير، أصدر مؤخرا أوامر مباشرة وصفت بـ "الخطيرة" إلى قوات الشرطة الخاضعة لإمرته. وتتضمن هذه الأوامر، بحسب التقارير، تعليمات واضحة بـ "إطلاق النار على كل عامل فلسطيني يحاول الدخول إلى الأراضي المحتلة عام 1948" (الخط الأخضر).
هذه التعليمات، إن صحت، تمثل تصعيدا جذريا في سياسات التعامل مع العمال الباحثين عن "لقمة العيش"، وتنقل المواجهة من مستوى المنع الأمني والاعتقال إلى مستوى "القتل" المباشر. وقد أثارت هذه الأنباء عاصفة من ردود الفعل الحقوقية والسياسية، وسط تساؤلات حول قانونيتها وتداعياتها الميدانية.
سياق الأوامر: سياسة "الخنق الاقتصادي"
لفهم خطورة هذه الأوامر ، يجب وضعها في سياقها الأوسع. منذ تصاعد التوترات الأخيرة (في إشارة إلى ما بعد أكتوبر 2023)، فرضت حكومة الاحتلال إغلاقا شبه تام على الضفة الغربية، وألغت عشرات الآلاف من تصاريح العمل التي كان يعتمد عليها الاقتصاد الفلسطيني.
هذا الإجراء خلق أزمة بطالة كارثية، ودفع بآلاف العمال، الذين انقطع مصدر رزقهم الوحيد، إلى محاولة العبور "بدون تصريح" عبر الفتحات والثغرات في جدار الفصل، بحثا عن أي فرصة عمل داخل الأراضي المحتلة عام 48.
من هنا، فإن أوامر بن غفير، كما تصفها التقارير، لا تستهدف "تهديدا أمنيا" بالمعنى التقليدي، بل تستهدف فئة من المدنيين (العمال) الذين دفعتهم السياسات الاقتصادية للاحتلال نفسه إلى محاولة العبور. لطالما اتهم بن غفير بمحاولة فرض سياسات أمنية متطرفة، وهذه الأوامر تندرج ضمن محاولاته المستمرة لتغيير قواعد الاشتباك بشكل جذري.
تجاوز الصلاحيات وتداخل السلطات
يثير هذا التقرير إشكالية قانونية وإدارية معقدة داخل هيكل حكومة الاحتلال. فالمناطق المحيطة بجدار الفصل العنصري (المعروفة بـ "خط التماس") تخضع عادة لسلطة الجيش ووزارة الدفاع، وليس لوزارة الأمن القومي التي تسيطر على الشرطة.
لطالما سعى بن غفير إلى توسيع صلاحياته لتشمل السيطرة على "حرس الحدود" العامل في الضفة الغربية، ونقل ولاءات قوات أمنية من الجيش إلى وزارته. إصدار أوامر مباشرة للشرطة (التي تتولى أحيانا مهاما على خط التماس) بإطلاق النار، يفسر على أنه:
تجاوز لسلطة الجيش: الذي يمتلك قواعد اشتباك (رسمية) أكثر تقييدا (على الأقل نظريا) فيما يتعلق بإطلاق النار على غير المسلحين.
فرض أجندة سياسية: محاولة بن غفير فرض رؤيته المتطرفة على الأجهزة الأمنية، متجاوزا المستويات القانونية والعسكرية التي قد تعارض مثل هذه الأوامر.
"دليل" المخاطر: التداعيات القانونية والإنسانية
إذا تم تأكيد هذه الأوامر وتطبيقها، فإنها تفتح الباب أمام سلسلة من التداعيات الكارثية. يمكن تلخيص المخاطر في القائمة التالية:
1. انتهاك القانون الدولي الإنساني: يعتبر إطلاق النار بهدف القتل على مدنيين غير مسلحين لا يشكلون تهديدا وشيكا للحياة "جريمة حرب". العمال الباحثون عن عمل يندرجون بوضوح تحت فئة "المدنيين المحميين".
2. إعدامات ميدانية: تمنح هذه الأوامر "رخصة بالقتل" (License to Kill) لأفراد الشرطة، بناء على شكوك بمحاولة "تسلل" لغرض العمل، وهو ما يعد شكلا من أشكال الإعدام الميداني خارج نطاق القضاء.
3. تفجير الأوضاع الميدانية: كل حادثة قتل لعامل ستؤدي حتما إلى ردود فعل غاضبة ومواجهات واسعة في الضفة الغربية، مما يهدد بإشعال انتفاضة شاملة.
4. تعميق الأزمة الإنسانية: بدلا من معالجة أسباب الأزمة الاقتصادية التي تدفع العمال للمخاطرة، ترد حكومة الاحتلال بـ "حل أمني" يتمثل في القتل، مما يزيد من حالة اليأس والاحتقان.
الموقف القانوني: هل هذه الأوامر قانونية؟
حتى داخل المنظومة القانونية للاحتلال، من المرجح أن تواجه مثل هذه الأوامر معارضة شديدة. يتوقع أن يرفض المستشارون القانونيون للشرطة وللحكومة المصادقة على أوامر تبيح إطلاق النار على أشخاص لمجرد عبورهم سياجا.
في المقابل، يعرف بن غفير بتجاهله للمنظومة القانونية ومحاولاته الالتفاف عليها. قد يبرر حلفاء بن غفير هذه الأوامر بالادعاء أن "كل متسلل هو تهديد أمني محتمل"، في محاولة لخلط الأوراق بين العمال الباحثين عن رزقهم وبين التهديدات الأمنية الفعلية.
تبقى هذه التقارير، في حال تأكيدها، دليلا إضافيا على نهج حكومة الاحتلال الحالية القائم على "العقوبات الجماعية" وتطبيق سياسات متطرفة قد تدفع بالمنطقة بأكملها نحو المجهول.

0 تعليق