أزمة جثث المحتجزين: اتهامات متبادلة بين حماس والاحتلال توقف جهود الصليب الأحمر وتهدد مسار الوساطة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في تطور سياسي وميداني ينذر بانهيار الثقة الهشة بين الفصائل الفلسطينية والاحتلال، توقفت بشكل مفاجئ الجهود الإنسانية للبحث عن جثث محتجزي الاحتلال في قطاع غزة.

وأعلنت مصادر قيادية في حركة حماس أن الاحتلال يرفض السماح لطواقم الصليب الأحمر والمقاومة بدخول شرق غزة، متهما إياه بـ "اختلاق أكاذيب" لتبرير "نيات عدوانية" محتملة.

في السياق، أفادت هيئة البث التابعة للاحتلال بأن الاحتلال هو من قرر وقف "جولات حماس الميدانية" مع الصليب الأحمر في المناطق الخاضعة لسيطرتها. هذا التضارب في الروايات لا يمثل مجرد خلاف لوجستي، بل هو انهيار لواحد من أهم مسارات بناء الثقة، ويهدد بنسف مفاوضات التهدئة الجارية عبر الوسطاء.

الخلفية: "الجثث" كورقة سياسية في مفاوضات معقدة
لا يمكن فصل ملف جثث المحتجزين التابعين للاحتلال عن السياق السياسي المعقد للمفاوضات بين حماس والاحتلال.

منذ بدء الحرب، وشكل ملف المحتجزين (الأحياء منهم والمتوفين) القضية المركزية التي يتمحور حولها أي اتفاق محتمل.

بالنسبة لحكومة الاحتلال، يمثل استعادة الجثث مطلبا شعبيا وضغطا سياسيا داخليا هائلا لا يمكن تجاهله.

على الأرجح، جاءت عمليات البحث الميدانية المحدودة برفقة اللجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) كبادرة "حسن نية" أو كجزء من تفاهمات أولية غير معلنة، تهدف لتهيئة الأجواء لمفاوضات أكثر جدية.
اختيار منطقة "شرق غزة" حساس للغاية؛ فهي منطقة شهدت عمليات برية واسعة، ويعتبرها الاحتلال منطقة أمنية عازلة أو "منطقة عمليات" تخضع لسيطرتها النارية والميدانية المباشرة. لذلك، فإن أي تحرك في هذه المنطقة يتطلب تنسيقا أمنيا معقدا، وأي خلاف حوله يتحول فورا من قضية إنسانية إلى قضية سيادة وسيطرة.

حرب الروايات وتضارب التصريحات كشف تبادل

التصريحات العاجلة عن انهيار كامل للتفاهم الذي كان قائما، وتحول فوري إلى "حرب روايات" سياسية تهدف كل جهة من خلالها إلى تحميل الأخرى المسؤولية أمام الوسطاء والرأي العام.

رواية حركة حماس:

الاتهام المباشر: "الاحتلال يرفض دخول طواقم الصليب الأحمر والمقاومة". تضع هذه الرواية حماس في موقع الطرف المتعاون الذي يواجه "عراقيل" متعمدة من جانب الاحتلال. نفي الاتهام المضاد: وصفت حماس رواية الاحتلال (التي يبدو أنها تتهم المقاومة بالتباطؤ) بأنها "كاذبة". توجيه نداء مباشر للوسطاء (مصر وقطر والولايات المتحدة) لـ "تحمل مسؤولياتهم"، وهو ما يعني مطالبتهم بالضغط على الاحتلال للالتزام بالتفاهمات.

الرواية التابعة للاحتلال (حسب هيئة البث):

الفعل: "الاحتلال يقرر وقف جولات حماس الميدانية". هذه الرواية تضع الاحتلال في موقع "صاحب القرار" والمسيطر على الأرض. تحديد النطاق: التأكيد على أن الوقف يشمل "المناطق الخاضعة لسيطرتها". هذا تأكيد سياسي على أن السيادة الميدانية في هذه المناطق هي للاحتلال بحتة. المضمون الضمني: على الرغم من أن التقرير لم يذكر سببا، إلا أن مثل هذا القرار يتخذ عادة كرد فعل على عدم التزام الطرف الآخر (حماس) ببنود التنسيق المتفق عليها، أو كإجراء عقابي للضغط على الحركة في ملفات تفاوضية أخرى.

ربط بالمسار العام وتداعيات دولية

هذا الانهيار، وإن بدا جزئيا، له تداعيات خطيرة على المسار العام للمفاوضات.

- أولا، هو يقتل الثقة في "قناة الصليب الأحمر" الإنسانية، وهي القناة الوحيدة المحايدة تقريبا التي يمكن من خلالها تنفيذ تفاهمات حساسة.

- ثانيا، يكشف هذا الخلاف عن حجم الفجوة في المفاوضات الأساسية؛ إذا كان الطرفان غير قادرين على الاتفاق على مسألة إنسانية (البحث عن جثث)، فمن شبه المستحيل أن يتفقا على القضايا السياسية الكبرى كوقف إطلاق النار الدائم والانسحاب.

- ثالثا، تصعيد حماس لخطابها واتهام الاحتلال بـ "النيات العدوانية" هو رسالة مباشرة للوسطاء مفادها أن البديل عن نجاح وساطتهم هو عودة التصعيد العسكري الشامل. لقد تحولت عملية البحث عن الجثث من خطوة إنسانية إلى ساحة صراع سياسي، وأصبح مصير المفاوضات بأكملها الآن معلقا بقدرة الوسطاء على إعادة ترميم هذا المسار الميداني المنهار، قبل أن يتحول إلى مبرر لعودة العمليات العسكرية.

0 تعليق