دقت منظمات حقوقية وناشطون في الجزائر ناقوس الخطر مجددا بشأن تنامي ظاهرة الاحتيال السيبراني التي تستهدف النساء الجزائريات بشكل خاص.
وفي تحذير رسمي، كشف حقوقيون جزائريون عن رصد عمليات استدراج ممنهجة عبر الإنترنت، يتم فيها إيهام الضحايا بإتمام زيجات من أجانب، مقابل مبالغ مالية.
هذه الوعود، التي غالبا ما تبدأ "كحلم وردي"، تنتهي بكابوس يتمثل في سلب أموالهن، أو في حالات أسوأ، الإيقاع بهن في علاقات غير قانونية وزيجات غير موثقة رسميا.
مسرح الجريمة: مجموعات "فيسبوك" المغلقة
لم تعد عمليات الاحتيال تقتصر على الرسائل العشوائية، بل تطورت لتصبح أكثر تنظيما واحترافية، متخذة من مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديدا المجموعات المغلقة الخاصة بالنساء، مسرحا لعملياتها.
وفي هذا السياق، أوضحت الحقوقية فتيحة رويبي، في تصريح لـ"العربية.نت/الحدث.نت"، أن هذه المجموعات أصبحت بيئة خصبة للاحتيال.
وقالت إن "وسطاء مجهولين" يستغلون هذه المنصات "لاستغلال رغبة بعض الجزائريات في الزواج من أجانب، خصوصا من الأتراك"، وذلك مقابل مبالغ مالية تدفع مقدما.
وتكمن خطورة هذه المجموعات في أنها توفر "غطاء من الخصوصية" الزائفة، مما يشجع النساء على مشاركة تفاصيل حياتهن ورغباتهن، بما في ذلك الأوضاع الاجتماعية أو العاطفية الصعبة، وهو ما تستغله هذه الشبكات بدقة.
وأضافت رويبي: "الكثير من الفتيات ينجرفن وراء وعود براقة بالزواج والهجرة والاستقرار، ليكتشفن لاحقا أنهن تعرضن لخداع منظم يهدف إلى المتاجرة بأحلامهن، بل وبأوضاعهن الاجتماعية والنفسية".
وحذرت الحقوقية من أن العواقب تتجاوز الخسارة المالية؛ فبعض الضحايا يجدن أنفسهن في وضعيات قانونية خطيرة، مثل السفر إلى الخارج دون أي ضمانات قانونية، أو الدخول في زيجات عرفية غير موثقة، قبل أن يجدن أنفسهن وحيدات ويجبرن على "العودة بخسارة مادية ومعنوية كبيرة".
استغلال "الحلم بالهجرة" وسيناريوهات معقدة
لا تنفصل هذه الظاهرة عن سياق اجتماعي أوسع يتمثل في ازدياد رغبة شريحة من الشباب الجزائري في الهجرة بحثا عن فرص مختلفة.
\هذا "الحلم بالهجرة" هو الثغرة التي تدخل منها شبكات الاحتيال المنظمة، والتي تبتكر "سيناريوهات" معقدة لإقناع ضحاياها.
ولم تعد الوعود تقتصر على الزواج فقط، بل يتم تسويقها كـ"باقة متكاملة" تشمل الاستقرار المادي والحياة الجديدة في الخارج.
وفي شهادة حية، روت "آمال.ع"، وهي ضحية تبلغ من العمر 32 عاما، تفاصيل تجربتها لـ"العربية.نت/الحدث.نت".
بدأت القصة عبر امرأة تواصلت معها في مجموعة على "فيسبوك"، وأوهمتها بأنها ستزفها إلى "رجل تركي"، مع ضمان إقامة محدودة لها لحين استكمال وثائق الزواج الرسمية والانتقال إلى بيت الزوجية.
ما جعل "آمال" تصدق الرواية هو مدى "واقعية" السيناريو الذي تم حبكه. وأوضحت قائلة: "قصت علي أن الرجل تركي، ولم يجد من تعينه على الاعتناء بوالدته المريضة".
هذا السيناريو "الإنساني" كان الطعم المثالي؛ فهو يحول العرض من "زواج مصلحة" مشبوه إلى "عمل خير" ومساعدة إنسانية.
وأضافت آمال: "طلبت مني مبلغا بسيطا لتوفير الإقامة لي، على أن أغادر الجزائر بمجرد تسوية وضعيتي، ما رأيته أمرا مقبولا".
لم تكتشف "آمال" الحقيقة إلا لاحقا، حيث قالت: "اكتشفت أن نساء أخريات تعرضن لهذا الاحتيال ودفعن أموالا، وفي النهاية تفطن إلى أنها مجرد سيناريوهات تحبكها عصابات منظمة للاحتيال على الجزائريين مستغلين وضعية البعض الاجتماعية أو حتى العاطفية".
تحذيرات قانونية: "الزواج ليس بابا للربح السريع"
أمام هذا التصاعد، جددت الحقوقية فتيحة رويبي دعواتها للنساء بضرورة توخي أقصى درجات الحذر واليقظة.
وشددت على ضرورة عدم الوثوق في "وسطاء غير معروفين" أو أي صفحات تعد بالزواج في الخارج دون إجراءات رسمية واضحة.
وقدمت رويبي خارطة طريق قانونية لحماية النساء من هذا الفخ، داعية إلى:
التحقق الرسمي: التأكد من الوضع القانوني للطرف الآخر عبر القنوات الرسمية.
التوثيق القانوني: التأكيد على أن أي زواج يتم في الخارج يجب توثيقه فورا لدى القنصلية الجزائرية أو الجهات المختصة في ذلك البلد.
الاستشارة المسبقة: ضرورة الحصول على استشارة قانونية من محام أو جهة رسمية "قبل اتخاذ أي خطوة مصيرية" أو دفع أي مبالغ.
واختتمت رويبي تحذيرها برسالة واضحة: "الزواج ليس وسيلة للهجرة ولا بابا للربح السريع، بل هو ميثاق غليظ يقوم على المودة والمسؤولية والاحترام، وليس على الوساطة المشبوهة أو الاتفاقات المادية".

0 تعليق