لطالما كان الذهب ملاذا آمنا للمستثمرين، ولكن هذا الأسبوع، تصدر المعدن النفيس المشهد في اضطراب دراماتيكي بالأسواق.
فبعد تسعة أسابيع متتالية من المكاسب، مدفوعا بتوقعات تيسير السياسة النقدية والتوترات الجيوسياسية، شهدت عقود الذهب الآجلة تراجعا حادا، مما جعل كل ارتداد صعودي ينظر إليه على أنه فرصة محتملة للبيع.
تفاصيل التراجع الحاد
بعد أن سجلت عقود الذهب الآجلة ذروة قياسية تاريخية يوم الاثنين عند 4,397.65 دولارا للأوقية، واجه السوق ضغوط بيع قوية.
وأظهر تحليل تحركات الأسعار أن العقود تراجعت بشدة يوم الثلاثاء بنحو 6.80% عن تلك الذروة. وخلال تداولات الأسبوع، اختبر الذهب أدنى مستوى له يوم الأربعاء عند 4,021.91 دولارا، مسجلا انخفاضا بنسبة 8.63% خلال الأسبوع في تلك المرحلة.
ويعزى هذا التراجع السريع إلى عدة عوامل، أبرزها عمليات جني الأرباح الواسعة بعد بلوغ مستويات قياسية، بالإضافة إلى تحول في تدفقات الأموال، حيث اتجه المستثمرون من الذهب إلى أصول أخرى توصف بأنها أكثر مخاطرة، مثل العملات الرقمية.
كما لوحظ تراجع في وتيرة مشتريات البنوك المركزية التي كانت داعما رئيسيا للسوق في الفترة الماضية.
وعلى الرغم من هذا التراجع، يتجه الذهب لإنهاء الأسبوع بخسارة تتجاوز 5%، منهيا بذلك سلسلة مكاسب استمرت لتسعة أسابيع متتالية.
غولدمان ساكس: النظرة طويلة الأجل
لا تزال إيجابية في خضم هذا التراجع، أكدت مؤسسة "غولدمان ساكس" يوم الخميس أنها "لا تزال متفائلة هيكليا" تجاه الذهب، على الرغم من التقلبات الأخيرة في الأسعار.
وأشار البنك الاستثماري إلى استمرار الطلب القوي من البنوك المركزية حول العالم، وازدياد اهتمام المستثمرين بالمعدن الأصفر كوسيلة تحوط استراتيجية للمحافظ الاستثمارية.
وأضافت المؤسسة أن التصحيح الأخير ربما ساهم في موجة البيع الحالية، لكنها أكدت: "نعتقد أن الشراء الهيكلي المستمر سيستمر مستقبلا، ونرى مخاطر صعودية لتوقعنا البالغ 4,900 دولار بحلول نهاية عام 2026."
التحليل الفني:
إشارات متضاربة وحذر واجب أثار التراجع الأخير، الذي شهد هبوط الذهب بأكثر من 2% من قمته التاريخية، مشاعر القلق لدى المستثمرين.
ومع ذلك، تشير التحليلات الفنية، إلى أن ما حدث قد يكون "مجرد تصحيح صحي" وليس بالضرورة "بداية سقوط".
وتظهر البيانات الفنية الحالية "إشارات مختلطة" تفرض الحذر قبل اتخاذ أي قرارات شراء جديدة. ففي حين تميل معظم المؤشرات اللحظية (إطار ساعة واحدة) إلى البيع، لا تزال المتوسطات المتحركة على الأطر الزمنية الأعلى (اليومي، الأسبوعي، والشهري) تمنح إشارات شراء قوية، مما يعكس أن الاتجاه الصاعد طويل الأجل لم يكسر بعد.
وعلى الرسم البياني اليومي، ارتدت عقود الذهب الآجلة يوم الأربعاء بعد أن لامست دعما قويا عند المتوسط المتحرك لـ 20 يوما (DMA) عند مستوى 4,021.91 دولار.
وحتى يوم الجمعة، يقف هذا الدعم عند مستوى 4,060 دولارا، بينما يواجه الذهب مقاومة فورية عند المتوسط المتحرك لـ 9 أيام البالغ 4,182.50 دولار.
سيناريوهات التداول المستقبلية استنادا إلى المخططات الفنية، فإن السيناريو الإيجابي يتمثل في حفاظ الذهب على مستوى الدعم 4,196 دولارا، والارتداد فوق مستويات 4,240 – 4,278 دولارا، حيث إن إغلاقا يوميا أعلى من 4,300 دولار قد يعيد زخم الشراء بقوة.
أما السيناريو السلبي، فيتحقق إذا انخفضت عقود الذهب الآجلة وكسرت مستوى الدعم الرئيسي عند المتوسط المتحرك لـ 20 يوما (4,060 دولارا).
هذا الكسر قد يفتح الطريق نحو تصحيح أعمق يستهدف المتوسط المتحرك لـ 50 يوما (3,784 دولارا).
وإذا فشل هذا المستوى أيضا في الصمود، فقد يواصل الذهب اتجاهه الهبوطي لاختبار دعم المتوسط المتحرك لـ 100 يوم (3,581.84 دولارا)، ثم المتوسط المتحرك لـ 200 يوم (3,336 دولارا) خلال الأسبوع المقبل.
خلص التحليل الفني إلى أن الذهب يمر حاليا بمرحلة تصحيح بعد صعود تاريخي، ولم يدخل مرحلة الانهيار بعد. ويبقى مستوى الدعم المحوري عند 4,196 دولارا هو الفيصل؛ فكسره يستدعي الحذر.
وتشير الإشارات المتضاربة إلى أن أفضل استراتيجية حاليا هي المراقبة الحذرة، وتحديد مناطق الدخول بناء على تأكيد الارتداد وليس التوقع، خاصة وأن "الاندفاع الأعمى أخطر من الانتظار الذكي" في سوق يشهد تشبعا شرائيا وتقلبات عالية.

0 تعليق