كتب سائد أبو فرحة:
لم يستطع الخمسيني أمجد يعقوب من قرية حارس غرب سلفيت، أن يقطف إلا نزرا يسيرا من الزيت، يكفي مؤونته.
ويقول يعقوب: موسم الزيتون ليس عاديا، فعداة مخزوننا من الزيت، يتيح لنا عائدا اقتصاديا من عملية بيع غالبية الإنتاج، لكن مع قلة إنتاجنا في هذا العام، فإن هذا الأمر ليس قائما.
وتابع: عادة ما يصل حجم إنتاجي وأشقائي إلى نحو 200 تنكة، "بينما في هذا العام بلغ إنتاجنا 20 تنكة".
وتتسع التنكة لنحو 16 لترا، وكان يباع اللتر الواحد في حارس - وهي قرية زراعية عدد سكانها نحو 4500 نسمة، تنتشر فيها أشجار الزيتون، بين 28-30 شيكلا في المواسم السابقة، أما في العام الحالي فإن السعر يتجاوز الـ40 شيكلا للتر الواحد، ليصل سعر التنكة إلى 600 شيكل وأكثر.
ويضيف يعقوب: قلة الإنتاج تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وهناك عوامل ساهمت في هذا الوضع من ضمنها ضعف الموسم المطري، العام الماضي، عدا، كما هو معروف، فإن الموسم الماضي كان غزيرا، بالتالي من الطبيعي أن يأتي الموسم التالي أقل إنتاجا، لكن ليس إلى هذا الحد.
ويعرف الموسم غزير الإنتاج بالنسبة للمواطن الفلسطيني باسم "الماسي"، بينما الموسم قليل الإنتاج بـ"الشلتوني"، لكن العام الحالي يبدو أبعد ما يكون حتى عن المواسم الشلتونية، إذ تشير تقديرات وزارة الزراعة إلى أن الإنتاج ربما لا يتعدى الـ7000 طن، فيما يصل معدل الإنتاج سنويا إلى نحو 22500 طن وفقا للوزارة.
وبالنسبة إلى يعقوب، فإن مشاكله لا تقتصر على قلة المحصول فحسب، بل تتعداها إلى عدم القدرة على جني كامل الثمار.
وعن ذلك يقول: لدينا قطعة أرض غرب القرية مساحتها نحو 40 دونما، كنا نجني منها زهاء 70 تنكة في الموسم، بيد أنه لوجود مستوطنة "رفافا" بجانبها، منعنا من الوصول إليها منذ أحداث تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ويضيف: قبل سنوات، عرض مستوطن على والدي الراحل شراء قطعة الأرض، ومنحه شيكا مفتوحا، بل واقترح عليه إتاحة المجال لنا للهجرة إلى أميركا، لكنه رفض ذلك بالمطلق.
وما ينطبق على هذه الحالة، لا يختلف كثيرا عما يواجهه مزارعو بيت عنان شمال غربي القدس.
وحسب المزارع نبيل الشيخ (69 عاما)، فإن موسم الزيتون في قرية بيت عنان، ليس جيدا، مضيفا: "عادة ما يصل إنتاجي إلى 26 تنكة، أما العام الحالي فلم يتجاوز التنكة".
ويضيف: قلة الأمطار، العام الماضي، وموجة الحر التي شهدناها خلال الصيف الفائت، ساهمتا في الوضع الذي نراه، اليوم، بالتالي فإن أسعار الزيت ارتفعت بشدة.
وهو يشير إلى أن سعر التنكة في بيت عنان يتراوح ما بين 900-1000 شيكل، فيما كانت تباع التنكة عادة بـ500-600 شيكل، بينما يصل سعر الزيت القديم، أي المنتج العام الماضي إلى نحو 700 شيكل.
ويردف: لحسن الحظ لدي بعض الزيت القديم، وإلا لاضطررت إلى الشراء.
وقد حدا هذا الوضع، ببعض العاملين في مجال تسويق زيت الزيتون، إلى التوقف قليلا عن هذه المسألة، أسوة بما حصل في حالة شركة جسور للاستثمار والتسويق الزراعي في البيرة.
وتبعا للمدير التنفيذي للشركة فادي موسى، فإن أسعار الزيت هذا العام أعلى من المعتاد، من هنا فالشركة التي تملك معرضا في البيرة، تنتظر ما ستؤول إليه الأحوال لتقرر كيفية التعاطي مع ملف تسويق الزيت والزيتون.
ويتابع: نحن لا نزال في بداية الموسم، وكما يعلم الجميع فإن الأسعار في هذا الموسم استثنائية، لذا نترقب استقرار الأسعار، وحينها سنسعى لتوفير الزيت بأسعار تنافسية.
وقد دفعت حالة الركود التي تلقي بظلالها على مختلف القطاعات، والمتواصلة بعيد العدوان على القطاع أي منذ عامين، بهذه الشركة إلى تقديم عروض سعيا لجذب مزيد من الزبائن.
يقول موسى: إننا نوفر زيت العام الماضي بأحجام متنوعة، ورغم رفع أسعار حتى الزيت القديم، فإننا في "جسور" حافظنا على الأسعار دون تغيير.
من ناحيتها، تدرك وزارة الزراعة الصعوبات التي تواجه المزارعين، والمستهلكين على حد سواء، ورغم ذلك لم يتخذ بعد أي قرار بخصوص استيراد كميات، ولو محدودة من الخارج لتغطية النقص في الزيت.
ويذكر مسؤول دائرة الزيتون في الوزارة رامز عبيد، أن الوزارة ستدرس، الشهر المقبل، ملف الاستيراد من عدمه، مضيفا: "العوامل المناخية، ساهمت في قلة الإنتاج، العام الحالي، من هنا فإن الوزارة ستدرس هذا الملف، الشهر القادم، باعتبار أن الموسم لا يزال في بدايته".
وتبعا لعبيد، فإن الضفة تضم قرابة 12 مليون شجرة زيتون، وبلغ متوسط الإنتاج سنويا خلال العقد الأخير 22500 طن، بينما في السنة الماضية "الماسية" وصل إنتاج الضفة إلى 27000 طن.
وهو يشير إلى أن حجم الإنتاج في شمال الضفة ووسطها أكثر من محافظات الجنوب، ما يفسر وجود فوارق سعرية من وجهة نظره.
يقول عبيد: في هذا العام، الإنتاج قليل جدا، وحسب تقديراتنا بالكاد يصل إلى 7000 طن، بينما حاجة السوق تبلغ الضعف على أقل تقدير (15 ألف طن)، من هنا من الطبيعي أن نرى الأسعار مرتفعة جدا.
وتبعا للوزارة، فإن الفارق السعري في العام الحالي لشح الإنتاج، يبلغ 60-70% صعودا مقارنة مع العام الماضي، مضيفا، "قلة الإنتاج لا تمنع أن هناك كميات من الزيت ستصدر كالمعتاد، لكن بالتأكيد بكميات أقل من السنوات الماضية".
وبالنسبة للوزارة، فإن مشاكل موسم الزيتون، لا تقتصر على قلة الإنتاج، بل تتعداها لتشمل اعتداءات المستوطنين وقوات الاحتلال على المزارعين، ومنعهم إياهم من الوصول إلى أراضيهم في كثير من القرى، والبلدات في الضفة.
ويقول عبيد: تواصل الاعتداءات ومنع المزارعين من بلوغ أراضيهم في كثير من القرى والبلدات، يجعلان حجم الإنتاج أقل من توقعاتنا.
ويتابع: خشية المزارعين من اعتداءات المستوطنين بالذات، تدفعهم في أحيان كثيرة إلى قطف الزيتون قبل نضجه، ما يعني خسائر تصل إلى 50% من الإنتاج، وبالتالي تقليص كميات الزيت المتاحة، القليلة أصلا في هذا العام.

0 تعليق