صندوق الثروة السيادية النرويجي.. استثمارات تحفظ حقوق الأجيال المقبلة - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

أكبر صندوق من نوعه في العالم من حيث قيمة أصوله التي تقدر بنحو تريليوني دولار، واسمه الرسمي صندوق التقاعد الحكومي العالمي، وأنشئ عام 1990 لتدبير مداخيل النفط في النرويج وفق خطة بعيدة المدى تراعي حقوق الأجيال القادمة في هذه الثروة القومية.

يدار الصندوق عبر الذراع الاستثمارية للبنك المركزي النرويجي ويستثمر أصوله خارج النرويج، وتتوزع استثماراته بين الأسهم في كبرى الشركات العالمية المدرجة في أسواق المال وفي السندات المدرة لدخل ثابت، إضافة إلى الاستثمار في قطاعي العقارات والبنى التحتية.

النشأة والتأسيس

أُنشئ صندوق الثروة السيادية النرويجي عام 1990 تحت مسمى "صندوق البترول الحكومي" بناء على قرار من البرلمان النرويجي ضمن خطة لتحويل عائدات البترول الحكومية بشكل منتظم إلى ذلك الصندوق المكلّف بدعم إدارة الحكومة لعائدات البترول على المدى الطويل.

وعام 2006، تغير اسم الصندوق إلى "صندوق التقاعد الحكومي العالمي" وصار يشار إليه عموما بـ"صندوق البترول".

ويستثمر الصندوق أصوله خارج النرويج، ومن ثم فهو يختلف عن "صندق التقاعد الحكومي النرويجي"، الذي يقتصر على الاستثمار في النرويج والدول الإسكندنافية بشكل أساسي عن طريق بورصة أوسلو.

وجاء تأسيس صندوق البترول تتويجا لمجهودات الحكومة في إدارة عائدات النفط الذي بدأ إنتاجه في الجزء النرويجي من بحر الشمال عام 1971 بعد اكتشاف حقل إيكوفيسك الضخم للنفط عام 1969.

ومنذ البداية، أبدت الحكومة النرويجية حذرا في استخدام عائدات النفط والغاز لتجنب أي اختلالات اقتصادية. وعلى مر السنين، أصبحت النرويج من أكبر منتجي ومصدري النفط والغاز في العالم، وبفضل ذلك حققت البلاد نموا اقتصاديا هائلا وانعكس ذلك إيجابا على رفاهية المواطنين.

" frameborder="0">

الأهداف والأدوار

كان الهدف من إنشاء الصندوق تدبير عائدات النفط بطريقة تحمي الاقتصاد النرويجي من تقلبات أسعار النفط في السوق العالمية.

كما أن الصندوق أنشأ كي يشكل موردا ماليا احتياطيا ضمن خطة ادخار طويلة الأجل، بما يُمكّن الأجيال الحالية والمستقبلية في النرويج من الاستفادة من الثروة النفطية للبلاد.

ويهدف الصندوق أيضا إلى ضمان إدارة طويلة الأجل لإيرادات موارد النفط والغاز النرويجية، بما يعود بالنفع على المواطنين في الحاضر والمستقبل.

إعلان

ويعكس إنشاء ذلك الصندوق وعيا لدى الحكومة النرويجية بأن عائدات النفط تكتسي أهمية بالغة للنرويج وبأن النفط سينفذ يوما ما، لذلك فإن الصندوق أداة لضمان استخدام تلك العائدات المالية بمسؤولية، والتخطيط طويل الأمد، ومن ثم حماية مستقبل الاقتصاد النرويجي.

ويتمثل دور الصندوق في ضمان استدامة الثروة الوطنية لأطول فترة ممكنة، ولهذا تتميز استثماراته برؤية بعيدة المدى، مما يُمكّنه من مواجهة التقلبات الكبيرة في قيمة الأصول على المدى القصير.

وتتعهد إدارة الصندوق نيابة عن الشعب النرويجي، بالعمل على تحقيق أعلى عائد ممكن مع مخاطر معتدلة فقط، بما يضمن نمو الصندوق واستمراريته.

" frameborder="0">

القيمة والاستثمارات

ضُخت أول دفعة من عائدات النفط في خزائن "صندوق التقاعد الحكومي العالمي" عام 1996، وتقرر استثمار أصول الصندوق في الخارج فقط.

ولا تنفق الحكومة النرويجية سوى جزء صغير من الصندوق سنويا، ويمثل فقط ما يقارب 20% من ميزانيتها.

وعلى الرغم من تحويل عائدات إنتاج النفط والغاز إلى الصندوق، فإن هذه الودائع تُمثل أقل من نصف قيمته. وتم جني معظم تلك القيمة عبر الاستثمار في أسهم البورصات العالمية، وأدوات الدخل الثابت بالاستثمار في السندات الدولية، والاستثمار عالميا في قطاع العقارات، وفي البنية التحتية للطاقة المتجددة.

ويمتلك الصندوق إلى حدود أكتوبر/تشرين الأول 2025 ما يقارب 1.5% من إجمالي أسهم الشركات العالمية المدرجة في البورصات، وهو ما يعني أنه يمتلك حصصا في نحو 9 آلاف شركة حول العالم، مما يتيح له الحصول على حصص من أرباحها سنويا.

ويمتلك الصندوق مئات المباني في بعض المدن الرائدة عالميا، مما يُدرّ عليه دخلا من الإيجار، كما يحصل على دخل ثابت عبر إقراض الدول والشركات. وعند توزيع الاستثمارات على نطاق واسع، فإن الصندوق يقلل من مخاطر الخسارة.

وبلغت قيمة أصول الصندوق عام 2025 حوالي تريليوني دولار أميركي، وهو ما يعادل 1.5% من قيمة الشركات المدرجة في جميع البورصات في العالم، أي أن كل مواطن نرويجي يملك أصولا بقيمة تفوق 340 ألف دولار.

FILE PHOTO: The trading floor of Norges Bank Investment Management, the Nordic country's sovereign wealth fund in Oslo, Norway, June 2, 2017. REUTERS/Ints Kalnins/File Photo
قاعة التداول في إدارة الاستثمار في بنك نورجيس الذي يتولى إدارة صندوق الثروة السيادي النرويجي (رويترز)

الإدارة السياسية للصندوق

هناك إجماع سياسي واسع في النرويج حول كيفية إدارة الصندوق، ويقوم ذلك الاتفاق على أنه كلما قلّ الإنفاق في الحاضر كان الوضع أفضل في مواجهة الركود الاقتصادي والأزمات في المستقبل.

وإضافة إلى الساسة، يتم إشراك المواطنين في النقاش حول تدبير الصندوق، وذلك عبر المنتديات واستطلاعات الرأي وغيرها.

ووفق تلك الرؤية، فإنه يتم تحويل فوائض الميزانية الحكومية إلى الصندوق، مما يمكنه من تغطية العجز من أمواله، ويتيح للسلطات إمكانية إنفاق المزيد في أوقات الشدة وإنفاق الأقل في أوقات الرخاء.

ولضمان استفادة أكبر عدد ممكن من الناس من الصندوق في المستقبل، اتفق السياسيون في البلاد على قاعدة مالية تضمن عدم إنفاق أكثر من العائد المتوقع من الصندوق.

ويشير الموقع الإلكتروني للصندوق إلى أن الحكومة النرويجية تنفق في المتوسط ما يُعادل العائد الحقيقي للصندوق فقط، والذي يُقدر بنحو 3% سنويا. وبهذه الطريقة، تُضخ عائدات النفط تدريجيا في الاقتصاد، وفي الوقت نفسه، بإنفاق عائد الصندوق فقط، وليس رأس ماله.

Nicolai Tangen, the incoming CEO of the Norwegian sovereign wealth fund speaks during a news conference at the central bank in Oslo, Norway, May 28, 2020. Picture taken May 28, 2020. REUTERS/Gwladys Fouche
نيكولاي تانجن (يسار) الرئيس التنفيذي لصندوق الثروة السيادية النرويجي عام 2020 (رويترز)

الحوكمة الداخلية

ينص هيكل الحوكمة في الصندوق على أن تحظى القرارات المهمة المتعلقة بمستوى المخاطر المُفترضة بدعم مالكيه، ممثلين بالحكومة النرويجية والبرلمان.

إعلان

ومع ذلك يتم التشديد على ضرورة وجود تفويض كافٍ لضمان اتخاذ قرارات الاستثمار التشغيلية في نطاق قريب من الأسواق التي يستثمر فيها الصندوق.

وضع البرلمان النرويجي الإطار الرسمي للصندوق عبر "قانون صندوق التقاعد الحكومي". وتتولى وزارة المالية المسؤولية الكاملة عن الصندوق وتصدر الإرشادات والتوجيهات لإدارته.

ويتولى البنك المركزي النرويجي إدارة الصندوق. وقد فوّض المجلس التنفيذي للبنك إدارة الصندوق إلى "إدارة استثمارات بنك نورجيس" بهدف حماية وتنمية الثروة المالية للأجيال القادمة.

" frameborder="0">

هيئة الأخلاقيات

ولتعزيز شفافية الاستثمارات واتساقها أخلاقيا، أقرت وزارة المالية النرويجية تشكيل مجلس مستقل للأخلاقيات مهمته تقييم الشركات التي يستثمر فيها الصندوق أصوله.

ويتم ذلك التقييم وفق المبادئ التوجيهية الأخلاقية للصندوق. ويقدم المجلس توصيات إلى "إدارة استثمارات بنك نورجيس" بشأن إذا ما كان ينبغي استبعاد هذه الشركة أو تلك من قائمة الشركات التي يستثمر فيها الصندوق، وبإمكانه أيضا أن يكتفي بوضع تلك الشركات تحت المراقبة.

مراجعة الاستثمار بإسرائيل

وبدا جليا دور هيئة مراقبة الأخلاقيات التابعة لصندوق الثروة السيادية النرويجي في متابعة وتقييم استثمارات الصندوق في إسرائيل التي تتعرض لانتقادات دولية واسعة على خلفية حرب الإبادة الجماعية التي شنتها على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وبسبب سياسة الاستيطان وموجة الاجتياحات في الضفة الغربية.

ومنذ 30 يونيو/حزيران 2025، باع الصندوق أسهمه في 23 شركة مدرجة في بورصة إسرائيل، بقيمة 4 مليارات كرونة (نحو 400 مليون دولار).

وقرر الصندوق في أغسطس/آب 2025 مراجعة استثماراته في إسرائيل كل 3 أشهر، كما قرر إبعاد 6 شركات ذات صلة بالضفة الغربية وقطاع غزة من محفظته الاستثمارية.

0 تعليق