بيت لحم - حسن عبد الجواد: أكد معهد أريج أن سلطات الاحتلال حولت منطقة واسعة من من مدينة الخليل، وتحديدا المنطقة المعروفة بـ "اتش 2"، إلى مختبر فعلي لسياسات الضم وفرض واقع جيوسياسي جديد.
وقالت في تقرير أمس، إن حكومة الاحتلال وظفت أدوات أمنية وإدارية لإعادة تشكيل المدينة التاريخية تدريجياً، بهدف تفريغها من سكانها الفلسطينيين الأصليين، ما يعكس مشروعاً طويل الأمد لإعادة تعريف الهوية المكانية للمدينة وربطها بالبنية الاستيطانية في جنوب الضفة الغربية.
وحذر من أن نجاح هذه السياسات سيترك أثراً مباشراً على مستقبل الوجود الفلسطيني في المدن التاريخية، وعلى فرص التوصل إلى حل سياسي شامل في الضفة الغربية.
أكد أن مشروع الاحتلال الإسرائيلي في منطقة "اتش 2" يعد مؤشرا استراتيجيا لقياس قدرة المجتمع الدولي على حماية المراكز الحضرية الفلسطينية من التحول إلى أدوات للهيمنة الاستيطانية وإعادة تشكيل الجغرافيا والديموغرافيا.
وشدد على أن استمرار هذه السياسات دون مساءلة قانونية أو تدخل فعال، يعمق من الانهيار الاجتماعي والاقتصادي داخل منطقة "اتش 2"، ويهيئ لتكريس واقع دائم من السيطرة الإسرائيلية، في قلب واحدة من أقدم وأهم المدن الفلسطينية تاريخياً.
وفي هذا الإطار، أشار التقرير إلى أن الحواجز العسكرية والبؤر الاستيطانية تعد أدوات استراتيجية ضمن مشروع شامل يسعى إلى إعادة صياغة المشهد الديموغرافي والسياسي في الخليل لصالح الهيمنة الإسرائيلية الكاملة، وتحويل منطقة (H2) إلى نموذج يمكن تكراره في مدن فلسطينية أخرى، ما يسهم في ترسيخ ما يعرف بـ "الضم الهادئ" بدل الضم الرسمي، وتثبيت السيطرة الإسرائيلية على المدى الطويل.
وأوضح أن ما يقارب 10 كم مربع من مساحة المدينة تشكل 20% من مساحة المدينة. وتضم البلدة القديمة التاريخية ومحيط الحرم الإبراهيمي الشريف، وهي المنطقة التي تمثل قلب الخليل التاريخي والديني والاقتصادي. إلا أن هذه الرقعة الصغيرة تخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية مباشرة مع صلاحيات مدنية محدودة جدا للسلطة الفلسطينية، ما جعلها واحدة من أكثر المناطق تعقيدا في الضفة الغربية من حيث الإدارة والحياة اليومية.
وأشار إلى أن نحو 40 ألف مواطن يعيشون في هذه المنطقة في الوقت الذي يستوطن فيها نحو 800 مستوطن في 14 بؤرة استيطانية صغيرة، أبرزها خمس بؤر استيطانية متفرقة ومتداخلة داخل الأحياء الفلسطينية نفسها، مثل تل الرميدة، بيت هداسا، بيت رومانو، بيت شالوم، وأبراهام أفينو، وسط حماية مكثفة من آلاف الجنود الإسرائيليين المنتشرين على طوق المنطقة وفي شوارع البلدة القديمة، الأمر الذي حول المنطقة إلى فضاء مزدوج السيطرة لا يمكن فيه للفلسطينيين ممارسة حياتهم الطبيعية بحرية.
ولفت إلى أن هذه البؤر تدار من مجلس مستوطنات الخليل، الذي يرتبط بمستوطنة "كريات أربع" الواقعة شرق المدينة.
وحذر من أنه على الرغم من صِغر حجم هذه البؤر، فإن دورها يتجاوز البعد السكني، إذ تستخدم لترسيخ الوجود اليهودي في قلب المدينة الفلسطينية، وفرض تقسيم جغرافي وأمني دائم، وتحويل البلدة القديمة إلى فضاء استيطاني مغلق تحت السيطرة الإسرائيلية.
ونوه بأن التقارير الصادرة عن منظمات دولية أظهرت تصاعدا ملحوظا في وتيرة تهجير المواطنين القسري خلال العقدين، حيث تتعرض العائلات الفلسطينية في البلدة القديمة ومحيط الحرم الإبراهيمي لأساليب ضغط متعددة تشمل: أوامر هدم منازل بذريعة البناء غير المرخص، اعتقالات متكررة، اعتداءات من المستوطنين على السكان والطلاب اثناء تنقلهم وتوجههم للمدارس، قيود اقتصادية وإغلاق متاجر، قيود على حركة المواطنين بشكل عام وتحديداً الوصول الى دور العبادة والمشافي.
وأكد أن هذه السياسات أدت إلى نزوح مئات العائلات، وتراجع الوجود الفلسطيني داخل المنطقة، حيث هجرت أحياء كاملة أو تحولت إلى مناطق أشباح بعد إغلاق الأسواق التاريخية. كما تراجعت الحركة السياحية والاقتصادية، وأضعفت المؤسسات التعليمية والصحية بسبب القيود المفروضة، ما تسبب في إفراغ تدريجي للأجيال الشابة من مركز المدينة.
ولفت إلى أن شبكة الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش في منطقة "اتش 2"، من مدينة الخليل تمثل أيضا أحد أكثر أنظمة السيطرة الميدانية كثافة وتعقيداً في الضفة الغربية، حيث تحول هذه الشبكة الواسعة الحياة المدنية الفلسطينية إلى سلسلة متواصلة من العوائق اليومية والإجراءات الأمنية المشددة.
0 تعليق