تركيا – منذ افتتاحه عام 1557 وحتى اليوم، لا يزال جامع السليمانية في مدينة إسطنبول مركزا للعبادة والعلم والفن والحضارة والسياحة في تركيا.
ويُعد الجامع ومجمّعه تحفة معمارية عثمانية حافظت على أصالتها رغم الزلازل والحرائق التي شهدها عبر قرون من الزمن.
ومنذ بدايات حقبة الجمهورية التركية عام 1923، خضع الجامع لعمليات ترميم شاملة، جرى خلالها الحفاظ بعناية فائقة على تفاصيله المعمارية وبنيته المتميزة.
وفي آخر عمليات الترميم التي أُجريت في العقد الثاني من الألفية، استعاد المسجد ومجمّعه مجدهما السابق، حيث أدرجا على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة “يونسكو”.
** مركز اجتماعي شامل
وفي حديثه للأناضول، قال الكاتب والمؤرخ التركي إبراهيم آق قورت، إن جامع السليمانية ومجمّعه بُنيا بين عامي 1550 و1557 على يد المعماري سنان، بأمر من السلطان سليمان القانوني.
وأضاف أن “السليمانية ليس مسجدا ولا مجمّعا عاديا، بل تحفة تعكس خلاصة 200 إلى 250 عاما من تراكم الخبرات في الدولة العثمانية، إضافة إلى خبرات السلطان سليمان القانوني والمعماري سنان خلال أزهى عصور الدولة”.
وأشار إلى أن هذا الصرح المعماري الذي يتوسطه المسجد، تحيط به مجموعة من المباني المهمة التي شكلت مركز الحياة الاجتماعية.
وتشمل المباني المحيطة بالمسجد أربع مدارس دينية وحمّام تقليدي ومستشفى ودار إطعام الطعام، مؤكدا أن المجمّع مخصص لكل شرائح المجتمع ويشكّل مركزًا اجتماعيا جامعا للحياة اليومية.
** تحفة معمارية
وحول عبقرية المعماري سنان، قال آق قورت إن سنان تعرّف خلال حكم السلطان سليم الأول (1512-1520) على فنون العمارة في إيران ومصر، وخلال عهد السلطان سليمان القانوني (1520-1566) تابع العمارة الغربية وصولًا إلى فيينا، ثم دمج بين العمارتين ليخلق أسلوبا فريدا تجسّد في جامع ومجمّع السليمانية.
وأضاف أن موقع المجمّع متوازي مع جامع آيا صوفيا، وكأنه امتداد له، موضحا أن المعمار سنان أراد من خلال هذا الموقع استثمار التجربة والمعرفة المكتسبة من آيا صوفيا وتطويرها إلى مستوى أرقى.
وأكد أن السليمانية من أبرز أعمال سنان، حتى إنه وضع منزله بجانبها مباشرة.
وقال آق قورت إن بعض الجامعات العالمية تحاول اليوم إعادة إحياء النموذج المعماري لمجمّع السليمانية واستثمار إمكاناته الثقافية والتعليمية.
** مكان للنزهة
وأشار المؤرخ التركي آق قورت إلى أنه أثناء بناء المسجد عام 1553، تم تنظيم جولة لسفراء البندقية في موقع البناء للاطلاع على العمارة العثمانية.
ونقل عن الرحّالة العثماني الشهير أوليا تشلبي، قوله إن “حديقة مسجد السليمانية كانت منطقة نزهة عامة” لسكان إسطنبول في تلك الفترة وحتى اليوم.
وأضاف أن المجمّع كان محاطا بأحياء سكنية، ولم يقتصر مرتادوه على سكان تلك الأحياء فقط، بل شمل الزوار القادمين من مناطق مختلفة للاطلاع على هذا الصرح الكبير، وما يزال الحال على نفس المنوال حتى وقتنا الحاضر.
وبشأن دوافع السلطان سليمان القانوني لبناء الجامع والمجمع، قال آق قورت إن الهدف كان “ترك أثر خالد في إسطنبول على مر العصور”.
ولفت إلى أن المباني المعاصرة لجامع السليمانية أنجزت خلال عدة أعوام، مثل كاتدرائية نوتردام في فرنسا التي بُنيت خلال 180 عاما، وكنيسة سان بيترو في روما المبنية خلال 130 عاما، وكل منها مبنى واحد فقط.
ولكن السليمانية بني خلال 7 سنوات فقط بفضل جهود سنان وفريقه المعماري البارز.
الأناضول
0 تعليق