كتب محمد الجمل:
مازال المواطنون والنازحون في قطاع غزة يواجهون ظروفاً قاسية، ويعيشون أزمات كبيرة، رغم مرور 7 أيام على بدء تطبيق اتفاق التهدئة.
"الأيام" رصدت مشاهد جديدة من القطاع، وركّزت على معاناة المواطنين والنازحين، منها مشهد يرصد وصول كميات محدودة من المساعدات الإنسانية للقطاع، وأقل بكثير مما كان متفقاً عليه، ومشهد آخر تحت عنوان: "جماجم وهياكل عظمية مجهولة"، ومشهد ثالث يوثق قيام عائلات بالبحث عن حاجياتها بين الأنقاض.
مساعدات محدودة
رغم مرور أكثر من أسبوع على دخول اتفاق التهدئة حيز التنفيذ في قطاع غزة، إلا أن المساعدات التي دخلت القطاع مازالت محدودة للغاية، ولم تتجاوز حتى ثلث الرقم المتفق عليه من الشاحنات يومياً.
كما لا يزال الاحتلال يمنع دخول معدات الإيواء، والمعدات الضرورية لإزالة الركام، ويواصل احتجاز عشرات الأجهزة الطبية والتشخيصية على المعابر، ويمنع دخول الأدوية والمستهلكات الطبية بكميات كافية للمستشفيات في غزة.
وأكد المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، أن يوم الاثنين الماضي وهو السادس من بدء التهدئة، شهد دخول 173 شاحنة مساعدات إلى القطاع فقط، موضحاً أن هذه الكميات محدودة جداً، ولا تكفي احتياجات المواطنين، ولا تحقق ما تم الاتفاق عليه.
وأوضح المكتب الإعلامي أن ما دخل من مساعدات حتى الآن عبارة عن نقطة في بحر الاحتياجات، ولا تلبّي أقل من الحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية والمعيشية لأكثر من 2.4 مليون إنسان في قطاع غزة.
وشدد على أن قطاع غزة بحاجة إلى "تدفق مستمر وكبير للمساعدات،
والوقود، وغاز الطهي، والمواد الإغاثية والطبية بشكل عاجل ومنتظم".
بينما أكد رئيس شبكة المنظمات الأهلية في قطاع غزة، أمجد الشوا، أن قطاع غزة مازال ينتظر إدخال عشرات شاحنات المساعدات المتجمعة عند معبر كرم أبو سالم، مشيراً إلى عدم وصول أية مستلزمات للإيواء إلى قطاع غزة حتى الآن.
وحسب وثيقة لاتفاق وقف إطلاق النار، التي نشرتها هيئة البث العبرية، فإنه "يتم السماح فوراً بدخول جميع المساعدات الإنسانية وتوزيعها بحرّية وفقاً للآلية المتفق عليها، بما يتماشى مع القرار الإنساني الصادر في 19 كانون الثاني 2025"، في إشارة إلى الملحق الإنساني في اتفاق هدنة كانون الثاني الماضي.. وينص هذا القرار على دخول 600 شاحنة مساعدات إنسانية يومياً إلى غزة بينها وقود وغاز طهي.
من جهتها، قالت وكالة الغوث "الأونروا"، إن سكان غزة ما زالوا يواجهون المجاعة وسوء التغذية، إضافة إلى نقص المأوى والإمدادات، مشيرة إلى أنها ستواصل تقديم خدماتها الأساسية في جميع أنحاء قطاع غزة لدعم مَن هم بأمسّ الحاجة إليها.
وكانت "الأونروا" ووكالات أممية أخرى أكدت أن لديها آلاف الشاحنات الجاهزة للانطلاق نحو قطاع غزة.
جماجم وهياكل عظمية مجهولة
صُدم المواطنون، وفرق الإنقاذ التابعة لجهاز الدفاع المدني، من العثور على أجزاء من رفات شهداء، تشمل جماجم، وبقايا هياكل عظمية متناثرة هنا وهناك، ما يُصعب مهمة التعرف على أصحابها، خاصة أنه مضت أشهر طويلة على استشهادهم.
وعُثر على بقايا جثامين وجماجم في مناطق متفرقة من شمال قطاع غزة، وحيي الزيتون وتل الهوا جنوب مدينة غزة، وحي الشيخ رضوان شمال المدينة.
ووفق مصادر مطلعة فإن الجثامين والرفات وبقاياها تنقسم إلى قسمين، الأول يحمل دلالات وعلامات يمكن من خلالها التعرف على هويات أصحابها، مثل الملابس، وبعض المقتنيات الشخصية، وأخرى عبارة عن جماجم وعظام محروقة، لا يمكن من خلالها التعرف على أصحابها، كتلك التي عُثر عليها في حي تل الهوا مؤخراً.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن قصف المنازل، وتفجير "الروبوتات"، واستهداف المارة بصواريخ كبيرة، أدى إلى تفتت الجثامين، وفقد معالمها، ما يصعّب التعرف عليها.
ويواصل مواطنون من ذوي المفقودين، البحث عن أبنائهم، وقد عثر بعضهم على جثامين في مناطق كان يتواجد بها جيش الاحتلال، واستطاعوا من خلال بعض العلامات التعرف عليهم، فيما عجز آخرون عن ذلك.
وظهر شاب في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو يُشير بيده إلى جماجم، ورفات شهداء في منطقة "جامعة القدس المفتوحة"، بحي تل الهوا جنوب مدينة غزة، موضحاً أن العظام محروقة ومتناثرة في كل مكان، داعياً جهات الاختصاص إلى الوصول للمنطقة، والعمل على انتشالها.
ويسود الاعتقاد بأن الاحتلال ربما نكّل بجثامين الشهداء بشكل متعمد، من خلال السير عليها بجرافات أو إطلاق قذائف على الجثامين بعد ارتقاء أصحابها، وهذا ربما يفسر تناثر الجثث وتفتتها، واحتراقها.
من بدوره، أكد الناطق باسم الدفاع المدني في غزة محمود بصل، أنهم ينتظرون استكمال انسحاب قوات الاحتلال للتمكن من القيام بواجبهم وانتشال جثامين الشهداء، مبيناً أن فرق الدفاع المدني انتشلت أكثر من 250 جثماناً منذ وقف الحرب، بعضها كان في الشوارع، وهناك أكثر من 10 آلاف شخص تحت الأنقاض "ولا نملك الوسائل للوصول إليهم".
وأوضح أن "الدفاع المدني" تلقى بلاغات حول وجود رفات شهداء تحت الأنقاض، ولا يستطيع انتشالها بسبب عدم توفر المعدات، مؤكداً أن مخلفات الحرب والمواد المتفجرة تشكل خطراً كبيراً على حياة المواطنين.
البحث عن الحاجيات بين الأنقاض
انهمكت عشرات العائلات في محافظة خان يونس، جنوب قطاع غزة، بالبحث عن حاجيات أبنائها تحت أنقاض المنازل المدمرة، خاصة في مناطق شرق ووسط المحافظة.
وتواجد المواطنون في محيط منازلهم، وبدؤوا برفع الركام، لاستخراج ما نجا من حاجياتهم، خاصة الملابس، والأواني، والأغطية، وغيرها.
ولفت المواطن عبد الله سليمان من سكان شرق مدينة خان يونس، إلى أنه وصل لمنزله في اليوم الثاني من التهدئة ووجده عبارة عن كومة من الركام، ومنذ ذلك الوقت يبحث عن حاجيات عائلته، واستطاع على مدار عدة أيام إخراج فراش وأغطية، وأوانٍ معدنية، وملابس، كما أخرج الخشب من بقايا الأبواب، وخزانات الملابس، لاستخدامه بإشعال النار في خيمته، لأغراض الطهي، وتجهيز الخبز.
وأكد سليمان أن خسارته كبيرة، إذ فقد منزله الذي بناه منذ 5 سنوات فقط، وكان بمثابة المأوى له ولعائلته، والآن يعيش في خيمة، ويبدو أنه سيعيش فيها لسنوات لا يعلمها إلا الله، وهو يحاول العثور على حاجيات العائلة، التي تعينهم في رحلة النزوح الطويلة، خاصة أن فصل الشتاء بات على الأبواب.
وأوضح أن استخراج الحاجيات من تحت الركام أمر صعب، يحتاج إلى جهد كبير، ويتخلله الكثير من المخاطر، رغم ذلك يعمل بمساعدة نجله منذ أيام، ويبحثان عن أي شيء صالح للاستخدام.
وأشار إلى أن الاحتلال دمر بلدة عبسان، والمناطق الأخرى في محافظة خان يونس، وأن المواطنين ورغم الصدمة والحزن، يبحثون عن حاجيات تحت الركام، فهم يدركون أنهم سيعيشون في رحلة نزوح طويلة.
بينما قال المواطن محمود بركة، إنه توجه إلى منزله المدمر شرق خان يونس، في محاولة للبحث عن أشياء يمكن أن تصلح لتجهيز خيمته مع اقتراب فصل الشتاء.
وبيّن أنه بعد جهد كبير استطاع إخراج ألواح من الصفيح تعرضت لضرر كبير، وينوي تعديلها، لتصبح سقفاً لخيمة، بدلاً من "الشادر"، كما جلب دعامات معدنية للغرض ذاته.
وأشار إلى أنه وغيره من النازحين، لا يفكرون في شيء سوى ترميم خيامهم، وتوفير احتياجات تعينهم على رحلة النزوح المستمرة.
0 تعليق