هل انتهى عصر السيولة الرخيصة؟ - الأول نيوز

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يبدو أن دورة خفض أسعار الفائدة العالمية قد بلغت ذروتها. والسؤال الآن: متى ــــ أو هل ــــ ستبدأ الأسواق المالية بالشعور بآثار ذلك التحوّل؟ ومن المثير للاهتمام أن العالم شهد خلال العامين الماضيين عدداً من التخفيضات في أسعار الفائدة، يفوق ما حدث خلال الأزمة المالية العالمية بين عامي 2007 و2009، بحسب بيانات «بنك أوف أمريكا».
صحيحٌ أن تلك الإحصاءات تتعلق بعدد المرات لا بحجم الخفض نفسه، لكنها تعكس ضخامة الزيادات التاريخية في أسعار الفائدة التي شهدناها عامي 2022 و2023 في معركة البنوك المركزية لمكافحة التضخم.
لكن يبدو أن تلك الدورة قد بدأت بالانعطاف نحو نهايتها. لا يعني هذا أن سياسات التيسير النقدي العالمي توقفت كلياً، فالبنوك المركزية، وعلى رأسها الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، ما زالت مرشحة لمزيد من التخفيضات، إلا أن وتيرة الخفض الإجمالية ستتراجع تدريجياً.
في الظاهر، يُفترض أن يعني نهاية عصر السياسات النقدية فائقة السهولة تشديداً في الأوضاع المالية خلال المرحلة المقبلة. لكن، وبشكل مغاير للتوقعات، يُظهر التاريخ عكس ذلك أحياناً. ففي الدورات الثلاث الكبرى السابقة من التيسير النقدي، أعقب بلوغ الذروة توسّعٌ في أرباح الشركات وارتفاعٌ قوي في أسواق الأسهم.
فهل نحن أمام مشهد مشابه؟ ربما. لكن بالنظر إلى التقييمات المبالغ فيها لكثير من الأصول اليوم، لا يبدو أن التاريخ سيكرر نفسه بالسهولة نفسها. يرى محللو بنك «سوسيتيه جنرال»، أن بلوغ ذروة دورة التيسير النقدي قد يكون في الواقع إشارة إيجابية لأسواق الأسهم الأمريكية، إذ تمثل عادةً علامة على أن نمو الأرباح يتجه نحو الاتساع والتسارع.
يقول «مانيش كابرا»، رئيس استراتيجيات الأسهم في البنك: «إن ذروة التيسير تمثل«إشارة قوية» لتنويع المحافظ الاستثمارية، والاتجاه إلى أسهم الشركات الصغيرة وتلك الأقل مديونية». ويوضح، بأن التقليص في التعرض للأسهم يحدث عادةً في مرحلة لاحقة، حين تبدأ الأسواق بتسعير دورة رفع جديدة للفائدة. وأنه عندما تبلغ دورة التيسير ذروتها، يكون ذلك عادةً مؤشراً على قناعة الأسواق بأن نمو الأرباح مقبل على تسارع. مشيراً إلى دورتي أغسطس/آب 2020 وسبتمبر/أيلول 2009، حينما تلا «الذروة» في كلتا الحالتين أداء قوي للأسهم.
لكن الفارق الكبير اليوم هو أن «وول ستريت» في قمة تاريخية، في حين كانت تلك الفترات السابقة تأتي بعد انهيارات كبرى في السوق. ولهذا، قد يرى البعض أن الوقت الحالي يستدعي قدراً أكبر من التحوّط.
ومع ذلك، يرفض كابرا الحديث عن«فقاعة»، مشيراً إلى أن نمو أرباح شركات مؤشر«إس آند بي» سجّل هذا العام نحو 12%، لكن هذا الرقم ينخفض إلى 4% فقط إذا استُبعدت أسهم شركات الذكاء الاصطناعي، ما يشير إلى أن الزخم لا يتركز سوى في قطاع محدود.
هذا العام، ارتفعت أسعار معظم فئات الأصول ـــــ من الأسهم إلى السندات والسلع والعملات المشفّرة ــــ باستثناء النفط والدولار وبعض السندات طويلة الأجل. حتى سندات الخزانة الأمريكية التي طالها الإهمال شهدت تعافياً ملحوظاً.
لكن أسباب هذا الصعود تختلف من منطقة إلى أخرى. ففي الولايات المتحدة، طفرة الذكاء الاصطناعي كانت وقوداً صاروخياً لبورصة نيويورك. وفي أوروبا، غذّت الرهانات على زيادة الإنفاق الدفاعي ارتفاعات الأسهم، فيما استفادت الأسواق اليابانية والصينية من توقعات بتوسيع السياسة المالية.
ورغـــــم اختــــلاف المحركـــــات، يــــرى محللو«ستاندرد تشارترد» أن القوة المحرّكة المشتركة لكل هذه الموجات هي«السيولة» ـــ وبكميات وفيرة. ويقول إيريك روبرتسن، كبير الخبراء الاستراتيجيين في البنك، إن الانتعاش الواسع منذ أدنى مستوياته في إبريل/نيسان الماضي، عبر الأسهم والسندات والسلع والعملات الرقمية، يُعد «رهاناً على الأوضاع المالية الميسّرة».
فكيف يمكن لأسعار كل تلك الأصول أن ترتفع في وقت يتّسم بعدم اليقين الاقتصادي والجيوسياسي الشديد؟ الحقيقة أن السيولة ليست نتاج السياسة النقدية وحدها. بل تشمل أيضاً احتياطيات البنوك، وتوافر الائتمان في القطاع الخاص، ومستوى شهية المخاطرة لدى المستثمرين ــــ أي مكونات المفهوم الفضفاض لما يسمى«السيولة العالمية».
لكن إذا اعتُبرت تحركات أسعار الفائدة مؤشراً تقريبياً على اتجاه السيولة، فإننا اليوم أمام نقطة انعطاف حاسمة. وهنا يعتقد روبرتسن أن وفرة السيولة الناتجة عن أكثر من 150 خفضاً للفائدة عالمياً خلال العام الماضي، كانت كافية لتجاوز مخاوف المستثمرين بشأن تباطؤ النمو. غير أن شهية المخاطرة قد تتعرض للاختبار إذا ما بدأت صنابير السيولة بالإغلاق ـــ ولو تدريجياً.

0 تعليق