لم تعد قيادة الجامعة اليوم مجرد موقع إداري تقليدي يُعنى بمتابعة المعاملات والموازنات، بل أصبحت مهمة استراتيجية تتطلب وعياً، ورؤية، وقدرة على تحويل التحديات إلى فرص. فالجامعات التي تعيش اليوم تحت مظلة رؤية المملكة مطالبة بأن تُحدث تحولاً حقيقياً في فكرها، وإدارتها، وثقافتها المؤسسية، وهو تحول لا يمكن أن يحدث دون قيادة تؤمن بالتغيير وتديره بوعي ومسؤولية.
يخلط البعض بين «رئيس الجامعة» و«قائد الجامعة»، رغم أن الفارق بينهما هو الفارق بين من يحافظ على النظام ومن يصنع المستقبل.
• الرئيس يدير الواقع، أما القائد فيصنع الغد.
• الرئيس يتعامل مع الملفات، أما القائد فيتعامل مع الإنسان الذي يُحدث التغيير.
• الرئيس يحرص على الاستقرار، أما القائد فيبحث عن التحدي والابتكار.
وفي زمن تتسارع فيه التحولات التقنية والعلمية، لم يعد الاستقرار هدفاً، بل أصبح التكيّف السريع هو عنوان النجاح.
إن قيادة الجامعة اليوم ليست فقط في اتخاذ القرار، بل في إدارة المعنى (أي بناء رؤية موحدة تجعل الجميع يتحرك في الاتجاه ذاته). القيادة الجامعية الفعالة هي التي:
• تمتلك رؤية استراتيجية واضحة تنبع من هوية الجامعة الداعمة للميز النسبية للمنطقة التي تقع بها وتتكامل مع أولويات الدولة حفظها الله.
• تمكّن الكفاءات وتتيح الفرصة للجيل الجديد من الأكاديميين والإداريين.
• تتواصل بشفافية وتستمع أكثر مما تتحدث.
• توازن بين الطموح والواقع، وبين التجديد والمحافظة على الثوابت.
تواجه القيادات الجامعية اليوم معضلة معقدة: كيف تقود التغيير في بيئة تحكمها الأنظمة والتقاليد؟
الجواب ليس في تجاوز النظام، بل في إعادة تفسيره بروح التطوير. الأنظمة ليست قيوداً بل أدوات يمكن استثمارها بذكاء. فالقيادة الفاعلة هي التي تبني التغيير من داخل الإطار، لا ضده.
إن الجامعات التي ما زالت تعتمد على القيادة النمطية ستظل تدور في حلقة من التكرار. أما الجامعات التي تمتلك قيادة تحفيزية، قادرة على قراءة المستقبل، فستتحول إلى مراكز حقيقية للابتكار والتنمية. التحول في التعليم الجامعي لا يُدار بقرارات فوقية فحسب، بل بعقل قيادي يستوعب التغيير ويقوده. فالقائد الجامعي هو من يُشعل الفكرة، لا من ينتظرها تأتيه جاهزة.
يأتي هذا المقال امتداداً للمقال السابق «بين جيلين: كيف تدير الجامعات صراع الأجيال؟»، الذي تناول التحديات بين الأجيال داخل البيئة الجامعية، إذ يمثل القيادة الجامعية الواعية العنصر الحاسم في تحويل ذلك الصراع إلى طاقة بناء وتطوير.
وفي هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المحوري لمجلس شؤون الجامعات في دعم هذا التوجه، من خلال تطوير الأنظمة، وتمكين الجامعات، وتعزيز مفهوم الحوكمة والاستقلالية المؤسسية، بما يضمن أن تكون القيادات الجامعية قادرة على قيادة التغيير لا مجرد التكيف معه.
أخبار ذات صلة

0 تعليق